تندلع الحرب في اليمن ويتسع نطاقها، لتمتد وتستعر في طول اليمن وعرضها. كلما اتسع مداها وازدادت عنفاً، كلما خرجت من أيدي اليمنيين؛ ليكون الطرف الإقليمي والدولي هو اللاعب الأكبر فيها.
تشتعل الحرب وتتمدد في غير منطقة من حول صعدة قرب الحدود السعودية، كما تتفجر في البيضاء، وجبهة الساحل، سواء من جهة الحدود مع السعودية في حرض وميدي، أو في الجنوب: المخا والخوخة، وحيس، ويدخل هنا لاعب جديد: طارق محمد عبد الله صالح قائد حراسة عمه الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح.
جبهة الشرق في صرواح ونهم في حالة مد وجزر. التصعيد الخطير في الحرب قتل رئيس المجلس السياسي صالح الصماد أحد القيادات الرئيسية في أنصار الله إلى جانب عدد من مرافقيه.
الطيران السعودي المسنود أمريكياً عاود قصفه شبه اليومي، ليس في جبهات القتال فحسب، وإنماً أيضا على المدن الرئيسية: صنعاء، صعدة، الحديدة، وحجة وغيرها. كما أن القتال في ريف تعز المحاصرة يزداد ضراوة. فالحرب تعم اليمن كلها، أما المناطق «المحررة» فيسودها التوتر والصراع غير المعلن بين الشرعية والحراك الجنوبي المسلح المدعوم من الإمارات.
يتفاقم الصراع بين الشرعية والحراك الجنوبي المسلح المدعوم من الإمارات العربية المتحدة، وتنشط القاعدة والدولة الإسلامية في المناطق المحررة، كما يُتوقع رفد هذه التيارات المتشددة بأعداد من المقاتلين الآتين من سوريا من اليمنيين والعرب الذين شاركوا في القتال هناك في الجبهات التي دعمها الأمريكان، ومولتها دول الخليج وتركيا.
الأسئلة الحارقة: هل تكون اليمن تعويضاً عن خسارة الحرب في سوريا لصالح السلطة «الأسدية»، والحلف الروسي - الإيراني التركي؟
الموقف الأمريكي يبدو متذبذباً بين البقاء في سوريا وبين الرحيل. والفرنسيون الأكثر حماساً للوجود هناك - كمستعمرين قدامى - عاجزون عن الوجود منفردين. الممولون العرب، وبالأخص السعودية، وإن ألحوا على البقاء الأمريكي في سوريا إلا أنهم يعرفون فداحة الكلفة المالية، والسعودية عاجزة عن جر التحالف العربي الإسلامي الذي تشكل إبان قمة ترامب في السعودية- للوجود على الأرض السورية.
أمريكا وروسيا - كأمبراطوريتين - يدركان خطورة الأوضاع في سوريا، وقد ينسقان في مستوى معين خشية الصدام المباشر.
الترابط بين ما يجري على الأرض العربية كلِّها عميق، وبالأخص في سوريا واليمن. النظامان السوري واليمني أعلنا حرباً ضداً على شعبيهما في ثورة الربيع 2011. في اليمن سارع مجلس التعاون الخليجي- بدعم دولي - إلى احتواء الثورة، ووقف انهيار النظام. دعموا تحالف صالح ومحسن - رمزا الحرب - والنظام القديم بقطبيه: المؤتمر، والإصلاح؛ لفرملة الثورة الشعبية السلمية، وإعادة إنتاج النظام الحليف والتابع. أما في سوريا فقد أعلن النظام الحرب على شعبه مسنوداً بإيران وحزب الله وروسيا، وهبت أمريكا وحلفاءها الأوربيين وتركيا والممولين العرب بقيادة السعودية بشن الحرب ضد الشعب السوري؛ لضرب الثورة السلمية، وتدمير سوريا وتمزيقها.
تجري المساومة في سوريا على تفكيكها، وتقسيمها. والخشية أن يزج بالإرهابيين: جيش الإسلام، الدولة الإسلامية، فيلق الرحمن، وعشرات المنظمات الإرهابية مجدداً في الحرب على اليمن.
العجز عن حسم عسكري يتجلى يوماً بعد يوم لكل زبانية الحرب وتجارها في الداخل والإقليم، ويتكشف أمام اليمنيين والرأي العام الدولي مطامع التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات. فالإمارات تمنع الرئيس الشرعي الذي تحت «يافطته» دخلت إلى عدن، وأعلنت الحرب مع السعودية تحت هذا التبرير.
يُمنع رئيس الشرعية العودة إلى عدن (المنطقة المحررة)، ويمنع وزير النقل من الوصول إلى شبوة، ويمنع رئيس الوزراء من افتتاح مشاريع في سقطرى، وتقوم الإمارات بإنزال عسكري وكأنها قوة احتلال.
تتعامل السعودية مع تحركات الإمارات في تعطيل الموانئ اليمنية، والاستيلاء على الجزر، والعسكرة في سقطرى البعيدة مئات الأميال عن أرض المعركة، ومحاولتها إعادة رموز النظام القديم أو طرف منه بالسكوت والتغاضي. واضح أن السعودية والإمارات الطرفين الرئيسيين في الحرب على اليمن يتنافسان على الرضا الأمريكي، ويؤديان مهمة مشتركة، وحتى لو كان بينهما خلاف هنا أوهناك، فلا يستطيعان الاستغناء عن بعضهما، خصوصاً وهما يواجهان تحديات مشتركة أهمها: الحرب ضد اليمن، وحصار قطر. وقد بدأ التحالف الاثنى عشري بالتفكك، خصوصاً بعد انسحاب السودان من ميدان معركة الساحل. فالجنجويد، وهم طرف أساسي في معركة الساحل هم الطرف الوحيد القادر على التعامل مع الساحل اليمني، وبخروجه تضعف معركتها هناك. فطارق غير مرحب به، والنزعة الانفصالية تعوق الحراك الموالي للإمارات من خوض معركة في ريف تعز أو الساحل.
كتحركات الأمراء الإماراتيين في سقطرى تعكس زيف دعاوى «إعادة شرعية» غير مسموح لها بالعودة إلى عدن، أو التحرك في الجنوب.
تتصرف القوات الإماراتية كقوة احتلال مستندة إلى مليشيات لا علاقة لها بالإرادة العامة لأبناء الجنوب. ندرك أن لحظة الشر مؤقتة، ولكن آثارها التدميرية كبيرة وعميقة. فالصراع الإقليمي السعودي - الإيراني أغرق اليمن واليمنيين في مستنقع من الدماء، ولا خلاص لهم إلا بتوحد إراداتهم، والحرص على سلامة بلدهم، والتوافق على حل مشترك يقبل به الجميع. فالسعودية والإمارات- كإيران وحزب الله - ليسوا حريصين على سلامة اليمن وأمنها واستقرارها؛ إنهم يتصارعون على النفوذ والمصالح المتصادمة مع الإرادة اليمنية المتعطشة للأمن والسلام، وبناء الكيان الاتحادي الديمقراطي.
كيمنيين لا بد أن ندرك طبيعة الصراع اليمني، فهو صراع على الحكم والرغبة في التفرد به، وعدم القبول بمشاركة الآخرين. والاستنجاد بالأطراف الإقليمية هو تعبير عن الرغبة في التفرد بالحكم.
القوى الداخلية المتصارعة تزداد ضعفاً وارتهاناً للصراع الإقليمي، والشرعية التي قامت الحرب باسمها أصبحت مجرد «يافطة»؛ فهي لا تستطيع مجرد العودة، أو التحرك داخل «المناطق المحررة» في الجنوب. المأساة أن القوى الداخلية مفككة، والأطراف الإقليمية المفككة - بكسر الكاف - يجري تفكيكها هي الأخرى. فقطر التي كانت «أسبرطة الأولى» في ثورة الربيع العربي أصبحت محاصرة ومتهمة بتمويل الإرهاب، والإمارات «أسبرطة الثانية» الآن تحتل موقع قطر في اللعبة الجديدة، وخرجت السودان من المعركة.
السعودية والإمارات وإيران يراد لهم أن يتحاربوا بدلاً من أن يكونوا قوة إقليمية متآخية في مواجهة إسرائيل التي تحتل شعب عربياً ومقدسات إسلامية؛ (فالجميع تحت حد السيف سواء) - كإبداع نزار قباني.
المصدر : العربي