ماذا لو يملك الحوثيون صواريخ موسودان
عبدالكريم المدي
عبدالكريم المدي

أدركُ مقدّماً إنني في تناول مواضيع وقضايا كالتي سأتطرّق إليها في مضمون هذا المقال عاجز عن تجنُّب طغيان الشعور والعاطفة الذاتيين ،لكن تقريباً إنه وفي معظم هذه الحالات والتجارب الإنسانية يصعب على المرء وصف الأحداث التي يعيشها وتمسّه شخصياً ،من زاوية الاكتمال بعيداً عن تدخُّل الذات وعذاباتها .وفي كل الأحوال أحبّ التأكيد بأن ما سأشير إليه تالياً بمجرّد إشارات،هو في الحقيقة واقعنا المعاش أنا وملايين اليمنيين معي .
لا أستطيع أن أصف لكم ماذا يحدث بنا وبأطفالنا ونسائنا في العاصمة صنعاء وغيرها من المدن التي يكرمها الأشقاء السعوديين في كثير من الأيام بأكثر من (319) غارة جوية كما يحدث وبمعدل يومي منذ 4سبتمبر2015 ، ولا أستطيع أن أصف لكم أوضاع عاصمة يسكنها أكثر من (3،5) مليون إنسان تغرق في الظلام الأبدي منذُ (7) أشهر ، ولاأستطيع أن أصف لكم معنى إن أكثر من (90%) من السكان هنا لا يجدون مياهاً صالحة للشرب ولا حتى للغسيل بسبب انعدام الوقود الذي لا تشتغل مولدات الآباربدونه وكذلك مركبات نقل المياه ( الوايتات )، ولا أستطيع أن أصف لكم معنى إن المرضى أصبحوا مؤخراً لا يجدون مشافياً مفتوحة ولا أصناف العلاج الضرورية والتي تتوقف عليها حياة الآلاف منهم كمرضى الضغط والسكّري والفشل الكلوي والقلب والسرطان والسل الرئوي وغيره .ناهيك عن أن مستشفيات عدة أغلقت أبوابها في وجوه المرضى وأعلنت عجزها التام عن تقديم الخدمات وقد كان آخرها مستشفى الأمومة والطفولة الوحيد في العاصمة صنعاء، الذي أعلنت إدارته ظهر السبت (5سبتمبر2015) عن قرارها النهائي بإغلاق أبوابه بصورة دائمة، والمتوقع إن ما تبقى من مستشفيات تُقاوم حالياً أقسى الظروف ستتبعه قريباً.
ولا أدري كيف أصف لكم - أيضا - اللحظات التي تحترقُ فيها قلوب الآباء على أطفالهم وتشتعل بالرحمة والآلام أمام معاناتهم ، وكنموذج إنساني حي على ذلك أجده لكم معي ، من خلال أعانيه مع طفلي باسل الذي بقي له شهران حتى يكمل ربيعه الثالث ، وكيف أنه يجعل الحياة مظلمة أمام عيني ،حينما يُفزعُ من نومه ممتلئاً برعب الدهر كله،ليقفزإلى حظني مع كل غارة جوية تستهدف بصواريخها وقنابلها جبل نقم الذي نسكن في سفحه ، أو معسكر الحفاء الذي لا يبعد عنّنا كثيراً.باسل الذي لا يثق بأي إنسان في العالم سواي ، كلّما فتحت الطائرات الحربية التابعة للسعودية وحلفائها حاجز الصوت وأخذت تقصف العاصمة بشكل هستيري ،أحسبه نموذج لأطفال اليمن الذين يعيشون نفس هذه الأوضاع والأوقات بكل ما فيها من معاني حقيقية للرعب والقلق، والترقّب على كفّ الخوف الذي تكاد معه وجوههم وأجسادهم أن تكون مفرغة من الدماءوعروقهم من نبض الحياة ،وللأسف الشديد إنه ومع مرور الوقت واشتداد القصف الذي لم يعد يتوقف ، صار هوءلاء الأطفال لا يجدون أماكن أودقائق آمنة تساعدهم على الإضطجاع قليلاً بإنتظار صباحات آخرى علّها تأتي بدون غارات وانفجارات ودموع ودماء.أما الطلاب والطالبات الذين يؤدون حالياً إمتحانات الشهادتين الأساسية والثانوية العامة ، فأوضاعهم في المدارس فوق قدرة اللغة على الوصف والإحتمال .أماني طالبة في الصف التاسع صقطت مغشيٌ عليها في قاعة الامتحان بعد أول صاروخ انفجر جوار مدرسة عبدالرزاق الصنعاني وإلى جوارها تسقط اثنتان من رفيقاتها حاولنْ انعاشها ، وغير بعيد سقط الطالب هيثم في ساحة مدرسة أخرى جرّاء انفجار شديد لصواريخ سعودية / خليجية استهدفت مستشفى الدفاع في باب اليمن.ورغم ما أبداه الآباء والأمهات من عزائم مشرفة ورباطة جأش نادرة المثال،تمثلت بدعمهم وتشجعهم لفلذات أكبادهم أبناءهم على الذهاب للمراكز الأمتحانية إلا أن كثافة القصف وتعرض كثير من المدارس للشظايا الناتجة عن الانفجارات وغيره ، جعلت معظم الآباء والأمهات يعيشون أوقاتا هي الأصعب ، ربما إن أقرب تعبير عنها هو الغيبوبة .ومع كل ما يشهده هذا البلد من نزيف ومآسي فالسعودية ، وكما وصلنا من معلومات من وفود التفاوض المشاركة في العاصمة العمانية مسقط لا تُريد حلاً سلمياً ، بقدرما تُريد اجتثاثاً كاملاً للحوثيين ومن تعتبرهم بالمتحالفين معهم وعلى رأسهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح ، رئيس أكبر حزب سياسي في البلاد ( المؤتمر الشعبي العام )وما يجعل هذا التوجه أقرب للواقع هو مواصلة حشد المزيد من قوات التحالف نحو اليمن ونجاح السعودية لحد ما في اقناع الحلفاء باتخاذ نفس الخطوة .وليس ذلك فحسب إنما هناك تأكيدات من قبل أطراف وخبراء سعوديين عسكريين وسياسيين على المضي قدماً نحوخيار الحرب بغض النظر عن أي تقدم أو نتائج إيجابية تُسفر عنها الحوارات السياسية المخفية أوالمعلنة.وهذا التوجّه يبدو من الواضح أنها تطغى عليه الصبغة الإنتقامية لمقتل الكثير من جنودهم في مأرب وفي جبهات الحدود المختلفة.المهم كل المعطيات حتّى الساعة تقول إن المملكة وحلفاءها يدفعون بالجتمع اليمني وكثير من مجتمعات المنطقة إلى أن تصبح مجتمعات معطلة من قيم التعاييش والسلام ، وتحويلها إلى بؤر تتلاقح فيها التناقضات وتتفجر من داخلها النوازع الشريرة التي تعمل على تلغيم النسيج المجتمعي بمنظومة قيمية جديدة لا تؤمن بغير العنف والاقتتال .تابعوا تصريحات الكثير من النخب السعودية خاصة والخليجية عامة، إعلامية وسياسية حيال معركة اليمن ،وستجدون إن الجماعة لم يعد يهمهم أي تداعيات بقدرما يهمهم ، ما يعتقدون إنه رد الاعتبار لهم والاقتصاص لعشرات الجنود والضباط الذين قتلوا على أيدي ( الاعداء )،وبأي ثمن كان ، لهذا فجلّ ما يقولونه منذُ 4سبتمبر الحالي يصب في مصلحة خيار الحرب والتصعيد وتوسيع بقع الزيت ، بصورة تخلق لدى الطرف الآخر ردة فعل تلقائية تتسم بالعناد والمزيد من العدائية والتحدي من أجل اثبات الذات والدفاع عن الكرامة .سبق وأن كتبت قبل أسابيع وقلتُ إن الناس هنا في صنعاء ومحيطها ( عمران - حجّة - ذمار -المحويت - صعدة - الجوف ) مستعدون للمعارك الفاصلة/ الطويلة ، لكن في الحقيقة يبدُ إنهم اليوم أكثر استعداداً وتصميماً وتعبئة عامة، وهذا يقودنا لاستنتاج مهم مفاده إنهم بالمطلق لن يسلموا بالطريقة التي قال عنها السبت الماضي عبر قناة الجزيرة العميد والخبير العسكري السعودي / حسن ظافر : ( إما أن تسقط صنعاء وتسلّم نفسها بدون حرب أو ستُدك حتى لن يبقى فيها حجر، لأن من بداخلها ومن يديرون الحرب الظالمة يستحقون ذلك )وهذا الكلام يتفق تماماً مع ما شدد عليه نائب القائد الأعلى لقوات البحرين وهو يُخاطب الدفعة الثانية من جنوده المتجهين لليمن بعد حادثة صافر بمأرب صباح الجمعة 4سبتمبرالحالي، حيثُ أكد بأنهم يُريدون من كل واحد من أولئك الجنود ، قتل خمسة أعداء بدل الخمسة الشهداء البحرينيين ،وهذا الكلام موثق وموجود في كثير من المواقع و(اليوتيوب) .على أية حال يبدو إنه في بلد كاليمن لم يعد العالم يتذكّر إن هناك شعباً وجغرافيا يحملان هذا الاسم ، وأن صور أشلاء الأطفال والمدنيين ومشاهد الدمار قد صارت تقتل النفوس وتشوه المخيلة، ومع هذا لا أحد يلقي بالاً لطبول الحرب التي تدقّ في كل مكان، ليس آخرها جحافل الأشقاء العسكرية التي تتقاطر عبرمنفذ الوديعة وميناء عدن وغيرها.يجب التنويه هنا إلى أمر مهم وهو إن السعودية وحلفاءها لم يعبروا تلك ا لمخاوف والأخبارالتي تأتي عبر أكثر من مصدر وتُفيدُ إن الجيش الموالي للحوثيين يمتلك، بالفعل، قدرات صاروخية ضخمة وذات فاعلية ومدى بعيد ، وهذا هو ما يرجّحه الكثير من المراقبين ، وبإمكان المتأمل في التصريحات الأخيرة الصادرة عن كل من الرئيس السابق علي عبدالله صالح وزعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي ، والعميد/ شرف لقمان الناطق الرسمي باسم الجيش اليمني أن سيستشفّ منها أشياء كثيرة، ولن يستبعد أبداً إن هناك أسلحة استراتيجية مخزّنةومختلفة كُليّاً عن الأسلحة المستخدمة من قبلهم لحدّ الآن وفي أي لحظة سيُتّخذ قرار ما بدخولها على خط المعركة ،سيما مع تكثيف الغارات الجوية وما يُسفر عنها من ضحايا ومحاولات إذلال يعتبرها البعض هنا مهينة بحقهم وبحق وطنيتهم. ولكشف المزيد من أسرار هذا اللغز علينا العودة قليلاً لتصريحات مسؤل استخباراتي كوري جنوبي في نهاية شهر يوليو من هذا العام الذي قال : (إن بلاده حصلت على أدلة تؤكد أن كوريا الشمالية هي التي زودت الحوثيين بصواريخ سكود متطورة وذات قدرات عالية) ويتفق مع هذا الكلام ما يدور حالياً من أحاديث وأخبار عديدة تُفيد بامتلاك الجيش اليمني لمنظومة صواريخ (موسودان الباليستية) وإن قرار استخدامها قد أتخذ وينتظرون فقط، ساعة الصفر ، مع العلم إن هذا النوع من الصواريخ يزيد مداه عن ألفيّ كيلو متر بمعنى إن جميع العواصم والمدن الخليجية تقع ضمن مداه وتحت رحمته .السؤال الذي يفرض نفسه هنا : ماذا لو كان الحوثيون والجيش يمتلكون ، بالفعل ،أسلحة استراتيجية من هذا النوع وتمكنوا - كما سبق وأن قصفوا بدقة متناهية أهدافا داخل اليمن وخارجها - من إيصال العشرات منها للرياض وجدة ودبي والمنامة والدوحة ؟وما نوعية وحجم الدور الإيراني في هذه المسألة، وهل ستشتعل - لا سمح الله - حرب شاملة في المنطقة بمشاركة إيران والأتراك وإسرائيل ومصر والخليج وووالخ ؟ووإغلاقا لأبواب هذه السيناريوهات والمخاطر والتساؤلات ..أليس أحرى بالسعودية والأطراف التي تميل للتصعيد منع وقوع أي سيناريوهات من هذه، قد تكون سببا في تغير وجه المنطقة كما حذر الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في وقت سابق ؟!

في الثلاثاء 08 سبتمبر-أيلول 2015 07:27:49 م

تجد هذا المقال في المركز اليمني للإعلام
http://yemen-media.info
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://yemen-media.info/articles.php?id=419