|
بعد تلاشي الغبار في صباح يوم الأربعاء الدامي 30 ديسمبر 2021، بدا المعطف الأسود ظاهراً، وشاهداً على قصة أخرى عن شعورنا نحن -اليمنيين- الدائم والمتجدد بالخزي والعار، من أن امرأة محبة ومتفانية إلى ذاك الحد، يمكن أن تقع ضحية لأبناء بلد شغفت به حدّ الجنون، وهي نفسها التي تمنت في تغريدة صغيرة على "تويتر" أن تعود يوماً ما إلى اليمن كسائحة!!
لطالما صادفتنا مرارًا -نحن الذين نعمل في مجال الإعلام- أسئلة من قبيل: من الذي يدير صفحات مواقع التواصل الاجتماعي للصليب الأحمر في اليمن بكل ذلك الحب؟ ولطالما حرنا في الإجابة، إلا أننا مؤخرًا علمنا أن شخصيةً تحمل جنسية عربية تقوم بذلك العمل، وبقدر من الحب والتعلق والإخلاص.
يارا خواجة، لبنانية الجنسية، ليست عاملة في المجال الإنساني في اليمن كــ "وظيفة" فقط، بل الإنسانة القريبة من الناس والتي التي تتفاعل بحساسية وتفانٍ منقطع النظير، مع النشاطات المدنية للناس، وترسل رسائل التضامن بين وقت وآخر، متذكرة ومذكرة العالم كله بما خسر اليمنيون في هذا النزاع، من أحبة لهم، ومصادر رزق يعيلون بها أبناءهم، فقدوا الأمان والاستقرار، فقدوا الوطن.
عاشت بروحها الطيبة وشعورها الإنساني كل تفاصيل المآساة اليمنية، وأدارت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي للصليب الأحمر في اليمن بكل ذلك الحب، ولطالما لفتت بكتابتها الإنتباه لصبر اليمنيين الذي بلغ حده، ومع ذلك لا يزالون يأملون بغد أفضل. نقف مع اليمنيين في تطلعاتهم، ونقف معهم في محنتهم؛ لأنهم يستحقون ما هو أفضل".
مآساة كبيرة وخزي أكبر أن تكافئ هذه اللطيفة بكل ذاك القبح، أن تشتم ريحة البارود والدم، وهي المعتادة على ريحة القهوة اليمنية الأصيلة التي كتبت قصيدة فيها :
يُشْبِهُ اليمنيون قهوتَهُمْ
روحُهم خضراءُ كأغصانِها، تميلُ ولا تنكسر مع الزمنْ
جريئون كحمرةِ الثمرةِ، لا تسقطْ
يَعرِفون مرَّ المذاقِ في الحياةِ ويقتحمون الحلوَ فيها
يختلفُ اليمنيون ربما على الكثيرِ،
لكنهم يستيقظون كل يومٍ على رائحةٍ واحدةٍ توصلُ بيوتَهم بخيوطٍ من شتلٍ تنتمي لأرضٍ واحدة.
غادرت يارا اليمن مفجوعة، ورغم ذلك سامحتنا على جهالة الجاهلون منا بالقول: "لا أذكر ما حصل لأنسى، لكني أسامح. قدّم اليمنيون لي حبًّا كافيًّا ليعوض ما جرى". غادرت وما زال الحلم يراودها بالعودة كسائحة لليمن، اليمن الذي سيبقى يكن لها كل الود والإنتظار للعودة المرغوبة والمشرفة.
في الجمعة 15 يناير-كانون الثاني 2021 07:32:15 م