تعرف على أخر طلب للرئيس السابق "صالح" قبل رحيله بأيام
الجمعة 15 ديسمبر-كانون الأول 2017 الساعة 11 مساءً / المركز اليمني للإعلام – فايز الاشول
عدد القراءات (5015)

ب

 

الإثنين الدامي في الرابع من ديسمبر 2017م، يوم استثنائي في الزمن اليمني. تسارعت الأحداث في صنعاء، والداخل والخارج يترقّب. اللحظات تتوالى كجرس عقارب ساعة «بيج بن»، ليدوي الجرس الأخير بإعلان «أنصار الله» نبأ مقتل علي عبد الله صالح، فيخيّم الصمت ويسود الذهول. نهاية غير متوقعة للرجل الداهية والرقم الصعب، ولحظة فارقة بين زمنين. لقد طويت صفحة صالح الذي تربّع على كرسي السلطة في اليمن لـ 33 عاماً، وظل لاعباً فاعلاً في مسار الأحداث حتى الرقصة الأخيرة التي أُسدل الستار عليها بخاتمة خلّفت حزناً كبيراً وخوفاً أكبر تجاه المستقبل: كيف ولماذا؟
صعود متسارع
برأس أشعث وهندام غير مرتب ولغة مليئة بالأخطاء، يؤدي اليمين الدستورية في الـ17 من يوليو 1978م أمام مجلس الشعب التأسيسي، رئيساً للجمهورية العربية اليمنية. وجه غير مألوف واسم غير معروف، ومن دون لقب، يتربّع على كرسي السلطة بمباركة دائرة النفوذ المشيخي والقبيلي. من أين جاء هذا المغامر برأسه إلى المقعد الملغوم؟
من قرية بيت الأحمر في الربع الشرقي بمنطقة سنحان جنوب صنعاء، حيث مولده هناك في الـ 21 من مارس 1942م. ومن أسرة فقيرة عانى شظف العيش معها وعمل راعياً للغنم. تلقى تعليمه الأولي في «معلامة» القرية التي تركها بعد انفصال والديه، ليتوجه إلى صنعاء للالتحاق بالجيش. لم يُقبل في البداية، فعمره كان 16 عاماً فقط. وهنا برزت أولى علامات نبوغه وجرأته، وخاض أولى مغامراته. لقد ذهب إلى قائد حرس ولي العهد، المقدّم عبد الله السلال، وهو من أبناء منطقته سنحان. قدّم نفسه كشاب مؤهل للجندية بكل اقتدار ليوجه السلال بإلحاقه بالجيش عام 1958م. إندلعت ثورة الـ 26 من سبتمبر عام 1962م، فالتحق بصف الثورة والجمهوية، وظلت قبيلته سنحان تقاتل في صف الملكية.

وبحسب ما أظهره من شجاعة، رقي إلى رتبة ملازم ثانٍ، ولمشاركته في الدفاع عن صنعاء، رقي إلى رتبة ملازم أول. وخلال الفترة من 1962 إلى 1970م نسج علاقات وطيدة مع الضباط وزعماء العشائر، كبيت أبولحوم والرويشان والغشمي وأبوحلفه، الذين كانوا يقاتلون في صف الجمهورية. ليكافأ في العام 1971م بتعيينه في محافظة تعز، قائداً لكتيبة مدفعية تتبع معسكر «خالد بن الوليد».
في المخا، تمكّن من الحصول على المال من المتهرّبين من الجمارك والضرائب على البضائع التجارية، وتوطدت علاقته بالشيخ مجاهد أبو شوارب، الذي كان قائداً للواء المجد وغادره في العام 1975م، ليعيّن علي عبد الله صالح بدلاً منه.
القبيلة والعسكر
إغتيل الرئيس إبراهيم محمد الحمدي، بصنعاء في الـ11من أكتوبر 1977م، وكان الرائد علي عبد الله صالح، واحداً من المتهمين باغتياله. وبعد ثمانية أشهر اغتيل الرئيس أحمد الغشمي، في حادثة لم تكشف الكثير من تفاصيلها حتى اللحظة، ليصعد في الـ17 من يوليو 1978م رئيساً للجمهورية بصنعاء وقائداً للجيش.
بعد ثلاثة أشهر تعرّض لمحاولة انقلاب من قبل قيادات «التنظيم الناصري»، وخلال ساعات تمكن من إفشاله بمساعدة قائد الفرقة الأولى مدرّع، المقدم محسن سريع، وأركان حرب الفرقة، الرائد علي محسن صالح.
أقام عقبها محاكمات صورية، أعدم بموجبها عدداً من قادة الانقلاب، وأُخفي عدد آخر، لا يزال مصيرهم مجهولاً إلى اليوم.

عد محاولة الانقلاب الفاشلة، كرّس علي عبد الله صالح نفوذه الأسري في الجيش، وصعّد الكثير من أبناء منطقته إلى مناصب عسكرية رفيعة، وصار كبار القادة (أحمد فرج، علي محسن، محمد إسماعيل، محمد خليل، مهدي مقوله، عبد الله القاضي، محمد صالح الأحمر) من سنحان. إلى جانب تعيين شقيقه اللواء محمد عبد الله صالح، قائداً لقوات الأمن المركزي.
لم يكن ذلك أول استغلال كارثي لمنصبه، فقد تزامن ذلك مع تقاسم السلطة مع النفوذ المشيخي. وعقد تحالفاً بين الجنرالات والمشائخ الذين حكم بهم وحكموا به. وأعاقوا تحقيق إصلاحات حقيقة وشكلوا وصالح معهم حاجزاً منع الولوج إلى المستقبل، وظل الجميع يرحّلون إرث الماضي.
جمع الأضداد
كرس الرئيس علي عبد الله صالح السلطة لنفسه. ففي 24 أغسطس 1982م، انتخب صورياً رئيساً لتنظيم «المؤتمر الشعبي العام» إلى جانب منصبه كرئيس وقائد للقوات المسلّحة والأمن، وظل على رأس هذه المناصب طوال سنوات حكمه الـ 33.
أكثر من ثلاثة عقود في تاريخ اليمن المعاصر حقق خلالها الرئيس علي عبد الله صالح، الكثير من المنجزات، وارتكب الكثير من الأخطاء. حقق الوحدة اليمنية بالتوافق مع الجنوب في الـ 22 من مايو 1990م، وقاد حرباً ضد الجنوب لتعميدها بالدم في صيف 1994م. تحالف مع السعودية وشارك في الحرب ضدها مع «أنصارالله»، في السنوات الثلاث الأخيرة من حياته.

تشارك وتحالف مع «الإشتراكي» و«الإصلاح»، واختلف معهما وانقلب عليهما. قاد ستة حروب ضد الحوثيين في صعدة، وعاد للتحالف معهم، وختمها بمواجهتهم. بهلوان بارع في الجمع بين الأضداد واللعب على التناقضات. خرج معظم الشعب في العام 2011م مطالباً برحيله، وعندما ودّع الحياة، عمّ الحزن عليه، ورثاه الكثير من خصومه، الذين اعتبروه «شهيداً»، بمن فيهم عبد ربه منصور هادي وعلي محسن الأحمر.
لقد ترك الحيرة حتى بعد رحيله، أما في حياته فقد ختم رئيس تحرير جريدة «السفير» طلال سلمان حواره معه في العام 2004م، بقوله «هذا الرئيس الذي تحار في أمره، ثم تريح نفسك بأن تعتبره شيخ اليمن، أي ما فوق الملك والإمام... بل لعله ملخص اليمن السعيد».
هو كذلك، ملخص اليمن ووجهها لثلاثة عقود، تزيد باضطرابه وتقلّباته وتناقضاته، لكن بلده اليوم ليس سعيداً.
مذكّراته
ردّد علي عبد الله صالح كثيراً في خطاباته وأحاديثه رغبته في مغادرة كرسي السلطة ليصبح رئيساً سابقاً، ويتفرّغ لكتابة مذكّراته، لكنه تنحّى عن كرسي الرئاسة وظلّ في صدارة المشهد حتى آخر لحظة من حياته، من دون احتفال بإصدار مذكّراته... لماذا؟
في حوار لصالح في العام 2005م مع قناة «الجزيرة» القطرية، قال إن «بناء مؤسّسات صحيحة هو ضمانة للحكّام بعد أن يتركوا الحكم، ليس إلى المنفى أو إلى القبر قتلاً وهذا ما لا نريده... نريد للحكام أن يتركوا السلطة ويخرجوا مواطنين صالحين يستطيع الواحد منهم أن يعيش حياة اعتيادية يذهب إلى البحر ويصعد الجبل ويتجوّل في المنتزه ويلقى الناس يحبّونه في قلوبهم».

وجّه النصائح لغيره، ولم يعمل بالكثير منها. لقد تهاوى الجيش بمجرّد تنحيه عن السلطة، وتخطّفت معسكراته الميليشيات. وتقافزت حاشيته من حوله مع أول انكشاف لضعفه في فبراير 2011م. ولازمه الخوف من خصومه حتى آخر لحظة من حياته، بسبب أخطائه مع شركائه، فلا قضاء عادلاً، ولا جيش وطنياً، ولا مؤسّسات ساد فيها النظام والقانون.
قادة الجيش ارتبط ولاؤهم بصالح، وطغت شخصيته وكارزيماتيته على حزبه، الذي ظل رئيساً له طوال حياته، ليواجه مزيداً من التشظي اليوم. لقد صنع صالح تاريخه ومجده الخاص به بمنجزات ارتبطت باسمه وعلاقات شخصية وتوزيع للهبات والعطايا لكل من وقف في صفه، كما لم يخلُ رصيده من مآثر حميدة جادت بها روح الفلاح البسيط، وزمالة الجندي، وكرم اليمني، وشهامة القبيلي التي حملها في داخله.
"باباً ثانياً"
قبل رحيله بأيام، وبحسب ما أفاد مقربون منه لـ«العربي»، طلب من أحد رُفقائه تذكيره بأبيات من قصيدة لعبد الله البردوني، تقول:
"يا (علي) انظر، ألاح المنتهى لا انتهى المسعى ولا الساعي نجح
لم نعد نهنأ، ولا نأسى، ذوت خضرة الأنس، خبَت نار التــــرح
أو خبا الحسّ الذي كنا بــــه نطعم الحزن ونشتم المــــــــــرح
لم يعد شيء كما نألفـــــــــه فعلامَ الحزن؟ أو فيمَ الفـــــــرح؟
دخلت (صنعاء) باباً ثانيــــاً ليتها تدري إلى أين افتتــــــــــح"
ثم أخد قصاصة ورقة ودوّن عليها بقلمه: «تعبنا ولا لقينا للتعب راحة»... وختمها بتوقيعه.

*العربي


تعليقات:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع المركز اليمني للإعلام نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
مواضيع مرتبطة
الحوثيون: واشنطن تلوح بالبعبع الإيراني لصرف الانتباه عن القدس
البرادعي يغرد عن غيبوبة العرب!
عاجل:-طيران التحالف يستهدف العاصمة صنعاء(المنطقة المستهدفه)
روسيا تعلق عمل بعثتها الدبلوماسية في صنعاء لتؤدي مهامها من الرياض
الأمم المتحدة: أكثر من 8 ملايين يمني "على شفا المجاعة"