صباح بشير: نساء تقتحم التاريخ
الإثنين 21 يناير-كانون الثاني 2019 الساعة 05 مساءً / المركز اليمني للإعلام
عدد القراءات (1020)

المرأة هي صانعة الحياة، وهي نبع الخير وذلك الظل الممتد الذي لا ينحسر، هي من أضاءت التاريخ بروائعها فتأصلت في الذاكرة في كل مكان، فكانت الحاضنة الوجدانية بأعمالها الخالدة على الدوام .

 قصص كثيرة عبر التاريخ البشري، الذي لم يزل ذكوريا في أبعاده رغم كل ما وصلت إليه المرأة، إلا أن صفحة التاريخ لم تطوَ بعد، فهي تزخر بإنجازات النساء اللواتي أثبتن أنفسهن عبر أعمال كانت في عصورِهن حكرا على الرجال، فأثبتن حضورهن وبصمتهن الإنسانية الواضحة في كل مجال. في قصتنا اليوم نشعر وكأن التاريخ يتوقّف لبرهة من الوقت، ليخرج منه أناس ويدخل فيه آخرون .

نُشرت دراسة حديثة (يناير 2019) بعنوان “لوحة الأسنان في العصور الوسطى” حيث تُظهر نتائجها أنه وبالصدفة البحتة ، عندما شرع فريق عالمة الآثار الباحثة “كريستينا وارنر” في معهد ماكس بلانك لتاريخ العلوم البشرية، بدراسة الميكروبات في الهياكل العظمية القديمة، كان أحد هذه الهياكل مثيرا للاهتمام حيث جُلِب من مقبرة تاريخية قديمة كان قد دُفن فيها، قريبة من دالهايم في ألمانيا في الأرض المجاورة لكنيسة سان بيترو ، والتي تم حفرها خلال أعمال البناء والترميم للمدينة . حددت الاختبارات الجينية أن هذا الهيكل يعود لامرأة راهبة كانت قد عاشت في دير ألماني بين القرن الحادي عشر والقرن الثاني عشر، ويتراوح عمرها بين 45 الى60 عاما.

 كان الهيكل العظمي يحمل لوحة زرقاء احتفظت بلونها الذي لم يتلاشى عبر الزمن، تَطَلب شرح الامر بحثا طويلا من قبل المؤرخين وعلماء الآثار، في النهاية كُشٍف السر عبر تقنية تحليلية تسمى التحليل الطيفي الصغير، فكانت المفاجأة بأن الجسيمات الزرقاء في اللوحة كانت من اللازورد الذي كان نادراً ومكلفاً جدا في تلك الحقبة الزمنية التي عاشها الهيكل، المفاجأة الثانية كانت عند تحليل أسنان الهيكل حيث وجدت بقايا صبغة اللازورد عالقة فيها، كانت هذه الدراسة مثيرة للاهتمام من قبل فريق دولي من العلماء من مختلف الجامعات والمؤسسات (جامعة زيورخ في سويسرا، نيويورك ،هارفارد ، كولومبيا البريطانية، جامعة روما ومتحف التاريخ الطبيعي في الدنمارك، معهد الطب التطوري في زيوريخ) . لم تُظهر التحليلات العظمية أي علامات على تآكلها أو أن صاحبتها قد عانت من الامراض أثناء الحياة، مما يشير إلى أن المرأة قد عاشت حياة مريحة ولم تكن عرضة لنشاط بدني مكثف.

كشفت الباحثة “كريستينا وارنر” بأن المرأة صاحبة الهيكل كانت كاتبة، ووجود صبغة اللازورد على أسنانها يشهد على ذلك، وقد شاركت بدور فعال في إنتاج المخطوطات والكتب التي كانت صناعتها تعتبر حكرا على الرجال في عصرها، فالمخطوطات في القرون الوسطى كانت تنسب للرجال فقط، وجزيئات اللازورد الصبغي الثمين التي وُجدت على الاسنان توحي بأنها قد علقت بسبب عادة كانت منتشرة على نطاق واسع بين الكُتّاب، وهي أن الكاتب كان يلجأ لترطيب القلم أو الفرشاة بوضعه بفمه ومسحه بلسانه.

 كانت المخطوطات التي تستخدم الصبغة الزرقاء المستمدة من اللازورد غالية جدا بسبب تكلفتها في ذلك الوقت، حيث كانت تُستعمل لتزيين الكتب والمخطوطات الفاخرة الثمينة الهامة، فاللازورد هو حجر كريم كان يُجلب من أفغانستان ويصل إلى أوروبا عبر التجارة، وبالتالي فقد كان متاحاً للكُتّاب والنبلاء من الرجال فقط . هذه الدراسة تؤكد حضور النساء الكاتبات المثقفات عبر التاريخ في كل مكان، حيث عملن بجد وصمت فأنتجن الكتب والمجلدات والمخطوطات.

في عصرنا الحاضر يتم تسجيل كل ما تتمكن المرأة من تحقيقه ، الا ان النساء قديما لم يَتمكَّنَ من ذلك، فما وصل الينا من انجازاتهن عبر التاريخ أقل بكثير مما لم يؤرخ أو يُكتشَف فيُسَجَل أو يكتب عنه بعد.


تعليقات:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع المركز اليمني للإعلام نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
مواضيع مرتبطة
أ. د شميسة غربي: سوقُ القبّعات
(شَهيًّا كفِراق).. جديد أحلام مستغانمي في لوعة العشق وألاعيب القدر
سماح خليفة: محطات ما زال يسير فيها قطار العمر في مجموعة “ما زال القطار يسير”
الآثار المصرية: ظهور ملوك الأسرة الخامسة في كوم أمبو لأول مرة
علميا... القراءة تغير الحياة إلى الأفضل في 5 جوانب