قرار خفض قيمة العملة المحلية.. وقف للتدهور أم تأجيل للكارثة؟!
الجمعة 25 مارس - آذار 2016 الساعة 09 مساءً / المركز اليمني للإعلام - خاص - عمار علي أحمد
عدد القراءات (3163)

المركز اليمني للاعلام

أثار قرار البنك المركزي اليمني خفض قيمة العملة الوطنية، واعتماد سعر صرف جديد للدولار، الجدل في الأوساط الاقتصادية، بين من يراها خطوة اجبارية وبين من يراها ترحيلاً للكارثة.
ويعد القرار أحدث انعكاس للأزمة التي يعانيها الاقتصاد اليمني الواقع تحت تأثير رحى الحرب التي أكملت اليوم عامها الأول دون أفق للحل.
" مرور عام على النزاع المدمر في اليمن يفاقم أزمة مصرفية تلوح ملامحها في الأفق، تُنذر بخطر دفع الملايين نحو المجاعة " بهذه العبارة لخصت منظمة أوكسفام الدولية للإغاثة الصورة في اليمن .
وقالت المنظمة في تقريرها الصادر الخميس أن الوضع يزداد سوء بالنسبة لبلد يستورد 90% من غذاءه، وسيؤدي القرار الى ارتفاع في الأسعار إلى نحو يؤثر على رُبع السكان، الذين وصلوا فعلاً إلى حافة الموت جوعًا.
الأزمة المصرفية التي تتحدث عنها أوكسفام تجلت مؤخرا بقرار البنك المركزي اليمني بخفض سعر الريال اليمني رسميا إلى 250 ريال مقابل الدولار الواحد بدلا عن 215 ريال و65 ريال مقابل الريال السعودي بدلا عن 57 ريال .
وهو ما أعتبره مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي " شرعنة لسعر صرف السوق السوداء" ، قائلا أنها تعكس حجم الازمة التي تعانيها اليمن في الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة، وعجز البنك على الوفاء بمتطلبات السوق من النقد الاجنبي.
وهو ما يتفق معه دكتور الاقتصاد بجامعة صنعاء ياسين الحمادي، الذي يرى أن البنك مجبر على هذا القرار الذي قال انه سيؤدي لعودة السوق السوداء من جديد ولن يقف صرف الدولار عند 250 للشراء و251 ريالا للبيع .
وقال الحمادي في حديثه لـ(المركز اليمني للإعلام) ان البنك اضطر للعودة إلى سياسة ما قبل عام 95 م التي أصبح فيها سعر صرف خاضعا للعرض والطلب تنفيذا لبرنامج الإصلاح الاقتصادي من قبل البنك الدولي ، حيث عاد البنك للتحكم بسعر الصرف من خلال تحديده من قبله .
ويشرح الحمادي الأزمة بالقول أن سعر الصرف يحدده عامل العرض والطلب في السوق منذ العام 95م، وان مصادر العملة الصعبة هي صادرات السلع الاستراتيجية مثل النفط والغاز والسلع وتحويلات المغتربين في الخارج والهبات والمساعدات والمنح والقروض.
ويضيف : إذا قلت أو شحت هذه المصادر كما هو حاصل الان، يؤدي إلى نقص المعروض من العملة الصعبة، وهذا يؤدي بدوره لارتفاع سعر الصرف، وهذا معناه انخفاض سعر العملة المحلية وظهور السوق السوداء.
ويبرر د. الحمادي قرار خفض قيمة العملة الوطنية الى اضطرار البنك المركزي اليمني للعودة إلى ما قبل هذا التاريخ أي تحديد سعر الصرف للحفاظ على قيمة العملة المحلية والتدخل بضخ العملة الصعبة في حالة وجود ضغط أو ازدياد الطلب.  المركز اليمني للاعلاملكنه يحذر من أن الاستمرار في هذه السياسة في ظل عدم دخول أي عملة صعبة سيؤدي إلى تآكل الاحتياطي الاستراتيجي من العملة الصعبة وسنكون أمام كارثة. 


إحلال العملة
وعن أثار انخفاض قيمة الريال اليمني على الاقتصاد والمعيشة للمواطن ، يقول الدكتور ياسين الحمادي " انخفاض في الدخل في الإنتاج وفي الاستهلاك وفي الاستثمار وفي الادخار، والمحصلة ركود اقتاصدي".
ويوضح أن انخفاض سعر الصرف يؤثر بشكل مباشر على ذوي الدخل المحدود وبالذات الموظفين لأنه سيؤدي لانخفاض الدخل الحقيقي لهم أي سينخفض المستوى المعيشي للأفراد وسيؤدي لزيادة الفقر في المجتمع.
وحذر الحمادي من أثر سلبي للأزمة وقال أنه في ظل استمرار الوضع سيدفع ذلك أصحاب رؤوس الأموال للعمل على تهريبها إلى الخارج بطريقة أو أخرى للحفاظ عليها .
وتحدث الخبير الاقتصادي اليمني د. الحمادي عن انعكساسات سلبية اخرى لقرار خفض قيمة العملة المحلية بالقول : سيحصل لدينا ما نسميه "إحلال العملة أي سيحاول الناس تحويل ما لديهم من ريالات إما لعملة صعبة للحفاظ عليها أو سيقومون بشراء أصول كالأراضي أو سلع طويلة الأجل كالسيارات.


السير نحو الكارثة
بدوره قال الخبير المصرفي اليمني أحمد سعيد الشماخ ان القرار وان اتخذ لخدمة الاقتصاد، الا انه سنعكس سلبا على معيشة المواطن وعلى الاقتصاد الذي يعاني من تشوهات فرضتها الحرب التي قال أنها زادت الطين بلة لوضع الاقتصاد اليمني.
ويعود الشماخ إلى جذور الأزمة في إبريل من العام 2004م الذي أصبحت فيه الصادرات لا تغطي الواردات وهذا دفع بالموازنة لمنزلق خطير سيؤدي إلى تدهور أكبر خلال الفترة القادمة.
ويقول الشماخ في حديثه لـ(المركز اليمني للاعلام) ان خلفيات القرار جاء استجابة لتوصية من الصرافين والبنوك المحلية، لكنه اكد على ضرورة تفعيل الادوات الرقابية للبنك المركزي اليمني والا فان سعر الصرف سيختل مجددا في السوق السوداء.
الشماخ يؤكد على وجود آثار سلبية للقرار على المعيشة وخاصة أن الريال يتدهور يوما بعد يوم ويتراجع سعره أمام الدولار، وسيؤدي القرار إلى التضخم وارتفاع الأسعار خلال الأيام القادمة وسيلمس المواطن اليمني ذلك وخاصة أننا مقدمون بعد شهرين على شهر رمضان المبارك .
ويشير الشماخ إلى أنه سيكون أمام البنك المركزي خلال الفترة القادمة خيارات صعبة أحلاها مر ، أما برفع سعر الفائدة حتى يستكتب مزيد من الإيداعات لتغطية العجز عن طريق الدين المحلي أو من خلال طبعة عملة من دون تغطية. ويؤكد أن الوضع الاقتصادي في اليمن أسوء حتى من سوريا التي وعلى الرغم من الحرب الا ان المصانع لم تتوقف ومثلها الحركة الاقتصادية، أما في اليمن فبعد عام من الحرب لدينا 80 % من القوى العاملة أصحبت بطالة وخاصة في القطاع الخاص الذين سرحوا من أعمالهم وهؤلاء تحولوا إلى عبئ وليس لهم دخل .
وحذر الشماخ من مآلات الوضع الحرج والمعقد الذي وصل اليه الاقتصاد اليمني، وقال " إذا لم يتدارك السياسيون ذلك فاننا ذاهبون إلى كارثة". وأضاف: ينبغي أن يكون هناك قرار سياسي سريع بإيقاف تدهور الاقتصاد اليمني من خلال استئناف تصدير النفط وترحيل فائض السيولة النقدية للخارج ، واتخاذ عدد من الإجراءات المعالجة مثل قرار البنك المركزي مؤخرا باستلام المواطنين للحوالات بالعملة الصعبة .
ويطرح الشماخ نظرة متشائمة رغم بوادر الحل السياسي ، حيث يرى أنه في حالة توقف الحرب سيحتاج الاقتصاد اليمني إلى عقود للتعافي بشرط مساعدة المجتمع الدولي من خلال إعادة الأعمار والعمل على مشاريع تنموية ، لان الحرب دمرت بنية تحتية متراكمة من عقود كما يرى.


ضرورة اقتصادية
على العكس من ذلك يرى الدكتور طه الروحاني القرار بالضرورة التي لا بد منها وخطوة متأخرة في الاتجاه الصحيح وفقا لمؤشرات السوق الاقتصادية والمالية والقيمة الحقيقية للريال .  المركز اليمني للاعلامويتوقع أن هذا القرار سيكون معدوم الأثر على ارتفاع أسعار السلع والخدمات ، وأن سعر 215 ريال السابق لم يكن إلا رقما دفتريا بعيدا عن القيمة السوقية والحقيقية للريال خلال العامين الماضيين .
ويضيف :نسبة الزيادة في سعر الدولار لم تتجاوز 17%، بالمقابل فان الارتفاع في اسعار السلع والخدمات قد تعدت هذه النسبة بشكل استباقي وفقا للقيمة السوقية الحقيقية للريال، والتي وصلت في بعضها الى 50% مقابل 17% .
رغم ذلك يرى الروحاني ضرورة وجود إجراءات مصاحبة ، تتعلق بالمعالجات السريعة المالية، تهدف إلى الحفاظ على القرار وتوازن السوق في كميات العرض والطلب من العملات، وليست حلول اقتصادية جذرية من شأنها رفع القيمة للعملة الوطنية.
ويحدد الروحاني هذه الإجراءات باستمرار البنك المركزي بعمليات الضخ الدورية للدولار إلى السوق وفق مؤشرات العرض والطلب، والالتزام بتوفير احتياجات المستوردين للسلع الأساسية من الدولار، وإلغاء قرار التعويم للمشتقات النفطية.
ويضيف : إلغاء الحظر والشروط المفروضة على أرصدة العملاء المودعة بالدولار، والتقليل من السقوف المستخدمة في العمليات المالية، ودراسة إعادة فتح نافذة الجمهور في البنك المركزي للودائع قصيرة الأجل لودائع الريال دون وساطة البنوك، وفتح نافذة أخرى للجمهور لودائع الدولار، مع إعطاء سعر فائدة تشجيعي للدولار وبما لا يخل بكمية العرض في السوق.


فاتورة باهظة
وبين المحذرين من خطورة قرار خفض قيمة العملة الوطنية، والمبررين لذلك، يبدو واضحا ان الاقتصادي اليمني يسير بخطوات متسارعة نحو انهيار مخيف، كفاتورة باهظة لعام كامل من الحرب، يتقاسم كلفتها اليمنيون، دون افق واضح للحل، في بلد يعاني ازمات مركبة ومعقدة ومتداخلة تنذر بما هو أسوأ.

 
تعليقات:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع المركز اليمني للإعلام نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
مواضيع مرتبطة
اليمن..مخاطر مالية بعد وقف المصارف الاجنبية التعامل مع مؤسساته
الباحث اليمني عبد الله إسماعيل: التحالف العربي يسعى لإسقاط صنعاء سلميًا (حوار)
عدن:-الوضع الامني يجعل سلطات هادي واستراتيجية التحالف في مهب الريح
حكومة الحوثي وصالح.. مناورة سياسية جديدة
استشراف العام 2016.. :
اليمن الجريح يأمل انفراجة سياسية (تقرير خاص)