إلى أين يتجه المشهد اليمني؟
الأحد 26 فبراير-شباط 2017 الساعة 10 صباحاً / المركز اليمني للإعلام - العربي الجديد
عدد القراءات (797)
لاحظ، في ظل اللحظات السياسية الحافلة بالوقائع التي تستعصي الضبط السريع والتوصيف السهل، أن المشهد اليمني تتجاذبه عدة تناقضات وانقسامات إزاء قضايا عديدة. لذا من المهم النظر إليه من عدة زوايا وأبعاد ذات العلاقة بمكيانزمات الأحداث والتطورات المتسارعة منذ بدء عملية عاصفة الحزم العسكرية، في مارس/ آذار 2015، وعلى المستويات المحلية والخارجية كافة. ولا شك أن ما آلت إليه تلك الأحداث حدّدت، وفق رؤية الأطراف المتحاربة، سواء المتدخلين المحليين أو الخارجيين، في ثلاثة مرتكزات رئيسية، هي البعد العسكري، والمتمثل في فتح جبهات مسلحة، والبعد الاقتصادي، والمتمثل في الاتفاق على هدنة اقتصادية، والبعد التفاوضي والمتمثل في سياق المفاوضات المعلنة وغير المعلنة. المركز اليمني للإعلام  
لعملية عاصفة الحزم صيرورة ذات ارتباط عميق بواقع الأحداث في اليمن، منذ اجتياح الحركة الحوثية صنعاء، والحصار المزدوج للرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته، وصولاً إلى محاولات اغتيال الرئيس هادي في عدن. ووفق هذا الوضع، ساد نوع من الشك والحذر لدى اليمنيين، خصوصا بعد إعلان الحركة الحوثية، في فبراير/ شباط 2015، إلغاء الدستور واستبداله بإعلان دستوري، الأمر الذي شكل نواة انقسام اليمنيين، وبروز تحالفاتٍ على المستويين المحلي والخارجي، ضم تحالف الحوثي وصالح، وتحالف الشرعية بقيادة الرئيس هادي، وبدعم من دول التحالف العربي والإسلامي. وقد اتجهت الحركة الحوثية نحو التورّط في صراعاتٍ مسلحةٍ مع أطراف محلية، وحتى خارجيةٍ، تمثل ذلك في القيام بمناوراتٍ عسكريةٍ على الحدود اليمنية والسعودية، وكذلك إعلانها حالة التعبئة العامة، ومن ثم المجهود الحربي، فهذه الأعمال وغيرها تسببت في تسارع الأحداث، ودخول السعودية ودول أخرى، متدخلين خارجيين في الشأن اليمني، وإعلان "عاصفة الحزم"، والوقوف إلى جانب الرئيس هادي، دعماً لشرعيته الدستورية.
وعلى الرغم من تحقيق الانتصارات العسكرية لحكومة الرئيس هادي، بدعم من المتدخلين
"يبدو أن اليمن بات ميداناً تجريبياً لتصارع السعودية وإيران" الخارجيين، بدءًا من استعادة مدينة عدن، إلا أن مشهد انقسام اليمنيين ما زال قائماً، بسبب بعض الاعتبارات، منها أخطاء ضربات التحالف الخارجي التي تستهدف المدنيين الأبرياء، ضبابية الموقف الأميركي وغموضه من الحركة الحوثية، والتوتر وعدم التنسيق بين السعودية والإمارات.
وكما يبدو أن اليمن، خلال العامين الماضيين، بات ميداناً تجريبياً لتصارع القوتين الإقليميتين، السعودية وإيران، فكل منهما يحاول تحقيق أهدافه المعلنة وغيرالمعلنة، وهذا يزيد من حالات الصراع والانقسام بين اليمنيين، ومن ثم تأخير حالات الحسم في بعض المناطق، بسبب غياب ناظم داخلي، والاقتصار على ناظم خارجي، يحدد مسيرة التفاعل الصراعي في الأرض اليمنية.
ويشكل البعد التفاوضي أحد مسارات التفاعل الرئيسي في المشهد اليمني، فمع كل جولة عسكرية، يأتي بعدها مسارٌ تفاوضيٌّ، نموذج اتفاقية السلم والشراكة الموقعة في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، يوم دخول الحوثيين صنعاء، كذلك الحال بعد كل جولةٍ مسلحةٍ، أو خلالها، تبرز دعوة أممية، أو مبادرة خارجية، لتحديد موعد للمفاوضات، نماذج جنيف 1 وجنيف 2 والكويت 1 والكويت 2، إلى جانب مفاوضات كل من الظهران ومسقط.
وعلى رغم الوساطات المتعدّدة الخارجية لحل المسألة اليمنية، إلا أنها جميعها فشلت، ما يرجع إلى عدة أسباب رئيسية، منها حدة انقسام الدول والقوى الخارجية، وبما يتعارض مع مصالحهم في اليمن، محاولة الحركة الحوثية في الحصول على الاعتراف بها، ومعارضة ذلك من الطرف الحكومي الرسمي، كما أن تنفيذ مسار العمل التفاوضي لن يكون إلا بالعمل العسكري. وساهم في تعقيد العمل التفاوضي سعي التحالف الحوثي وصالح إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات السياسية الأحادية، فغداة فشل مفاوضات الكويت 2، مثلا، أعلن هذا التحالف عن تشكيل ما يسمى المجلس السياسي الأعلى نظاماً للحكم. وهناك نموذج فشل مفاوضات مسقط، فغداة ذلك الفشل، تم الإعلان عن تشكيل ما تسمى حكومة الإنقاذ الوطني. إلى جانب ذلك كله، فإن الدعوة إلى مسار المفاوضات تكاد تكون نوعا من استراحة محارب، للسعي إلى إعادة التكيتك العسكري، وحدوث تموقع عسكري جديد.
وبشأن الآثار والتداعيات جرّاء الاحتراب، فإن اليمن يعاني، أصلاً، من أزمات اقتصادية
"يشكل البعد التفاوضي أحد مسارات التفاعل الرئيسي في المشهد اليمني، فمع كل جولة عسكرية، يأتي بعدها مسارٌ تفاوضيٌّ" وسياسية واحتقان اجتماعي. وعليه، فإن وصوله إلى الاحتراب يزيد من المعاناة، وعلى مختلف المستويات، ففي الجانب الاجتماعي والصحي، تتوزع المعاناة في انقطاع كلي وشبه دائم للخدمات الاجتماعية الضرورية، كالكهرباء والماء والبترول والغاز. وزج أطفال اليمن في جبهات القتال، وتعرّض مواطنون عديدون لضربات الأطراف المتحاربة براً وجواً، ما نشر حالة الخوف وعدم الاستقرار من جهة، وأدى إلى تفاقم نزوح مواطنين يمنيين كثيرين، داخل المدن نفسها، أو الانتقال من مدينة إلى أخرى من جهة أخرى. أما في الجانب الاقتصادي، فتتمثل أهم المعاناة في انهيار الهدنة الاقتصادية وانتقال البنك اليمني المركزي من صنعاء إلى عدن، وما رافق ذلك من توقفٍ نهائيٍّ لصرف مرتبات موظفي الدولة، وتنظيم التحالف الحوثي وصالح حملة تبرعاتٍ شعبية لدعم المجهود الحربي، ما أثقل من معاناة المواطنين. وتزداد المعاناة في استياء مواطني المدن المحرّرة من عدم قدرة السلطات الحاكمة الشرعية على تسريع تطبيع الحياة وتقديم الخدمات الاجتماعية، ولو في الحدود الدنيا.
وبالنظر إلى المشهد اليمني في شكله الراهن، من المتوقع العمل بخيار السيناريوهات التالية:
الأول، الاستمرار في خيار سياسة الشدة والحزم. وقد يكون هذا الخيار، في الأصل، سعودياً، والتي ترى أن العمل العسكري تجاه التحالف الداخلي هو الخيار الأنسب (وبالذات لجماعة الحوثي التي تعتبر إحدى أدوات القوة الفاعلة لإيران)، الذي من شأنه أن يخدم أهدافها الاستراتيجية، كما أن هذا الخيار ينسجم مع التصورات العقائدية للملك سلمان الذي سارع إلى بناء سياسة صارمة في التعامل مع إيران وحلفائها في المنطقة، كما أنه يخدم الأهداف الاستراتيجية للمملكة.
الثاني: التوجه نحو الخيار السلمي. يكون ذلك عندما تدرك قيادة الشرعية، وأيضا القيادة السعودية، مدى حجم الخسائر البشرية والمادية التي رافقت العمل العسكري لضرب التحالف الداخلي، ومن ثم كيف سيكون عليه الحال لدخول العاصمة صنعاء. لهذا، لن يكون استمرار العمل العسكري سهلاً، فقد تكون كلفته كبيرة، ما قد يجعل الرئيس هادي وحكومته، وبتغاضٍ سعودي، يفكر بالإحجام عن مواصلة العمل العسكري، والاستعاضة باللجوء للخيار السلمي التفاوضي، وفق صيغة تحاور الأطراف المتحاربة. وهنا، قد نشهد حالة من التسوية السياسية، تراعي مصالح كل الأطراف، وبما يجنب اليمن والمنطقة مزيداً من القلاقل والاضطرابات والعنف. وتتمثل الحالة الأخرى في حدوث صفقة سياسية، كنوع من نمط السلوك السياسي، إذ بموجبها سيتم التوصل إلى اتفاق مشترك، ترتضيه أطراف الصفقة، وتكون بمثابة الحل الممكن والوسط الذي يخرج الجميع من هذا الوضع.
السيناريو الثالث: المزاوجة بين الخيارين السابقين. استحالة نجاح العمل العسكري، أو العمل السلمي بشكل منفرد، قد يجعل هادي وحكومته تنتهج الخيارين معاً بالمزاوجة بينهما. وهنا قد نشهد حالة من سياسة الاحتواء والاحتواء المزدوج للتحالف الحوثي الصالحي، حيث من الممكن استثمار العداء السائد بين جماعة الحوثي والرئيس السابق، علي عبدالله صالح، قبل فبراير/ شباط 2011، بهدف إضعاف التحالف، ومن ثم ضرب قدراته العسكرية، وبأي وسيلة مع إمكانية عودة الهدنة معه، في بعض المجالات، مثل الهدنة الاقتصادية، لأجل الحفاظ على المركز المالي للدولة وقطاعاتها المصرفية، منعاً من الانهيار الكامل للدولة.
تعليقات:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع المركز اليمني للإعلام نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
اكثر خبر قراءة أخبار المحلية
بن شاجع يدعو لمراجعة المواقف والتوحد أمام التحديات الكبيرة التي يواجهها اليمن
مواضيع مرتبطة
3400 قتيل و16600 جريح في أوساط المدنيين بمدينة تعز منذ بدأ الحرب
الهلال الأحمر التركي يتعهد بتقديم مساعدات غذائية ودوائية عاجلة إلى اليمن
ابكى الملايين بحب اليمن ودعا لوقف الحرب:
عمار العزكي يخسر لقب (ارب ايدول) وينجح في ايصال رسالة اليمن للعالم
الطيار الاردني يصل عمٌان بعد تحطم طائرته F16 امس في نجران
3 آلاف طلعة كويتية ضمن التحالف العربي باليمن