الفن في زمن الحرب.. فنتازيا الموت وسريالية الواقع
الأربعاء 24 أكتوبر-تشرين الأول 2018 الساعة 05 مساءً / المركز اليمني للإعلام
عدد القراءات (1371)

أصبحت الحرب جزءا من سيرتنا اليومية، وعنصراً بنيوياً مما ننجزه من فن وأدب وفكر، كما صارت جزءاً من نسيج الواقع والمتخيّل، بل إن ما تحدثه فوق كل واقع وكل متخيل، إلى الحد الذي نجزم معه أنه من الصعوبة بمكان محو ما خلفته وتخلفه على مدى قرون قادمة.


لقد أصبح الفن «الفوتوغرافي والتشكيلي والكاريكاتوري وفن الجداريات... إلخ» في زمن الحرب مهموماً بالخراب والدمار والظروف الصعبة الحاصلة، محكوماً بشروطها ومجسداً لها، يصوّر فظاعتها وما تخلّفه على الصعيدين النفسي والجسدي، إذ يجسد مخاوفها، وكوابيسها، وما ينتج عن ذلك.
كوابيس ومخاوف

يقول الفنان ذي يزن العلوي: «الحرب الأهلية انتحار civil war is a suicide، عبارة كتبتها بجانب جدارية من أعمالي في 2014، لقد أصبحت الكوابيس والمخاوف حقيقية. أصبحنا نعيش حرباً قذرة، تدمّر البلاد والإنسان».


يمر الزمن بعد رسم العلوي للوحته تلك، والجدار ما يزال محتفظاً بعبارته التي أصبحت هويةً لهذا الجدار، ويمر العلوي ذات يوم ليجدها قد أصبحت خلفية ﻷسرة نازحة شردتها الحرب، وهي تحاول أن تستجدي العابرين منحهم ما يسد جوعهم ويؤمن خوفهم، لقد أصبح الجدار عالم الأسرة ومأواها بعد تدمير الحرب لمنزلهم، يقول العلوي تعليقاً على المشهد الذي وثقه في صورة فوتوغرافية: «الصورة التقطها قبل أسبوعين من الآن، لقد أصبحت هذه الجدارية خلفية لهذه العائلة التي شردتها الحرب وتتوسّل المساعدة من الناس لمواصلة حياتها».


سيرة اللون والحرب
لقد أصبحت الحرب جزءاً من سيرة التعب اليومي للناس، وجزءاً من سيرة اللون بالنسبة إلى الفنان المنهك أيضا، يجد المتلقي لوحة للفنانة ذات الـ19 عاماً، عنود الجدوم، تصور مشهد الرعب والنزوح ليس للإنسان فقط، بل للإنسان ومدينته وعلمه الوطني في مشهد نزوح كلي، والطائرات وعناصر الحرب تحاصر كل شيء، وتعد هذه اللوحة رمزاً لبلد برمته، يتعرض للقصف جواً وبحراً وبراً من أطراف صراع لا تراعي حالة الأبرياء من المدنيين الآمنين.


تقول الفنانة عنود الجدوم، في حديث لها مع «العربي»: «الحرب واقع مؤلم نعيشه، ومن خلال هذا الواقع نستلهم الفكرة لرسم معاناة الشعب»، وتضيف «أجسّد هذه الحرب في لوحات فنيه إمّا من وحي الخيال أو من الواقع الملموس الذي نُعْتَبَرُ جزءاً منه».
عناصر الحرب

إن ثيمات الحرب وأدواتها كالسلاسل، الدم، الدمع، الطفولة المذبوحة، والكهولة مهدورة الكرامة، وملامح الرعب والنزوح، كلها من خصائص اللوحة لدى عنود، و90% من النتاجات الفنية للفنانين الشباب في الوقت الراهن، غير أن ثمّة لوحات تنأى عن التعبير المباشر، وتركز على التعبير عن الآثار النفسية لدى الإنسان في زمن الحرب، وهو ما يظهر في لوحات الفنان سعد الشهابي، الذي يصور نتائج الحرب، لا الحرب ذاتها، على الوجوه المتعبة، فهي وجوه مجزأة، تائهة الملامح، يكتنفها السواد أو يغطيها الدم، أو تقع في إطار اللون الأصفر الدال على الموت. يقول الشهابي لـ«العربي» إن «معظم اللوحات التي أنجزتها تعبّر عن الحرب وقسوتها، وعن الظروف الراهنة التي يمر بها البلد»، مؤكداً أن «الحرب كانت لها انعكاسات كبيرة على لوحاتي بالإضافة إلى الأوضاع الأمنية السيئة التي يمر بها البلد»، وأوضح أنها «تعبّر عن إحساسات داخلية مختلفة كالخوف والحزن والألم الناتجة عن الحرب والوضع الأمني». 
سوريالية بنكهة الواقع

وفي لوحة للفنانة آمال عثمان، يجد المتلقي مشهداً أكثر ألماً مستوحى من مشاهد استخراج الضحايا من تحت الأنقاض، في صورة لعجوز يغطي الدم وجهه، وحوله أناس يحاولون إنقاذه بمشقة. تبدو اللوحة أقرب إلى الواقع وهو ما منحها القيمة الفنية الأكثر تأثيراً في المتلقي. إن مشهداً كهذا يبدو خليطاً من الواقع والمتخيّل، إنه أكثر فنتازية من الواقع، لا يستطيع الفن المحض تجسيده كما لا يمكن للواقع المحض تجسيده بعيداً عن الفن؛ ذلك أن ما يحدث أكثر سوريالية وفنتازية من السريالي والفنتازي ذاته، لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه أو يصدقه لولا أنه يعيش في خضمّه واقعياً كل يوم في حارات وأزقة المدن الواقعة تحت خط القصف والحرب.


لقد أصبحت الحرب رافداً من روافد الفن في اليمن؛ صورة ولوحة وجدارية، إنها العنصر المهيمن على تفكير الفنان كما هي مسيطرة على فكر وحواس الإنسان عموماً، لقد أفرزت نسقاً موضوعاتياً دالاً على الوجع والتيه والضياع الذي يعيشه اليمني كل يوم، وهو ما تصوره بدقة خطوط ومنحنيات الدم الراعف في وجه الكهل في لوحة آمال عثمان، سالفة الذكر.


يقول تشرشل «هناك خياران لدينا، إما أن ننهي الحرب أو أن الحرب تنهينا»، ولم يقترح تشرشل خياراً ثالثاً، كذلك اللوحات المشار إليها، أو غير المشار إليها من التي تسير في الخط ذاته، لم تقترح خياراً ثالثا، إنها تقول الواقع بثقله ومأساته المرعبة، ولا تقوله قولاً عابراً، بل قولاً مجازياً موغلاً في التخيّل وإن بدا واقعياً للوهلة الأولى، فالمأساة عنيفة، وكذلك ما يشخصه الفن.

 

*العربي


تعليقات:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع المركز اليمني للإعلام نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
مواضيع مرتبطة
ديزني تعيد علاء الدين بشحمه ولحمه إلى دور السينما في مايو
(بيوتيفول بوي).. فيلم يتناول تعامل أسرة مع مشكلة إدمان المخدرات
حفل فني لطارق العربي طرقان تخصص مداخيله لفائدة ولاية نابل
رحيل الكاتب والمفكر الفلسطيني سلامة كيلة
أوبرا العشق القاتل من مضارب العرب حتّى بلاد الإغريق