السراج المنير،إستلهام التراث العربي والتاريخ الإسلامي
الأحد 22 مارس - آذار 2015 الساعة 10 مساءً / يمن ميديا
عدد القراءات (2087)

في الوقت الذي أعلن فيه عدد من الشعراء الشباب القطيعة مع التراث العربي ،وحاولوا

فيه تجربة الكتابة الإبداعية تحت مسميات جديدة كقصيدة النثر،حملت مضامين جديدة ،وجدها البعض أصدق في التعبير عن روح العصر وأقرب من مشكلاته.نجد أنفسنا أمام ديوان "السراج المنير"للشاعر وليد العليمي والديوان يعد عمل شعري جديد وجاد إستطاع الاتصال بالتراث والتأثر به،وهو لا يستلهم الموضوع فحسب ولكنه يستلهم القالب الفني أيضا.

فالهامش في الديوان يمثل متنا موازيا ،بمعنى ،أنه لا يمكن أن نقدم هذا الديوان دون هذه الشروح المبسطة والتي تشكل نصاً موازيا لهذه النص السيري التوثيقي.ٍ 
هذا العمل لتبسيط وكتابة السيرة النبوية شعراً لن يأخذ موقعه الصحيح وأهميته إلا باعتبار الهدف التعليمي التوثيقي، ومن هنا فهذا العمل الجاد لتوثيق السيرة النبوية الشريفة شعرا يأتي في إطار مشاريع تقريب الثقافة الإسلامية للشباب في أيامنا هذه التي كثرت فيها التحديات وحالت وسائل التواصل والاتصال الحديثة بين النشء العربي و بين ثقافته الإسلامية ،وهو ما بات يهدد هويتنا العربية والإسلامية الأصيلة.

كما أن عزوف الشباب عن القراءة عموماً ،وتهيبهم من قراءة كتب التراث خصوصاً ومنها كتب السيرة النبوية ،لما فيها من توسع وإحاطة وإطالة،يدعونا إلى الإحتفاء بكل أعمال التقريب وشرح التراث ومنها كتابة السيرة النبوية الشريفة شعراً.


كما أن كتابة هذا الديوان بلغة عربية فصحى سليمة خالية من الإغراب والتعقيد،لاشك يسهم بشكل غير مباشر في جهود حماية اللغة العربية والحفاظ عليها ،و هي التي ما تزال تواجه التحديات من جراء تفشي استخدام العاميات والميل إلى اللغات الأجنبية على مستوى الحياة اليومية والتعاملات عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة.

إن صياغة سيرة المصطفى الحافلة بالأحداث والمواقف ،هذه السيرة التي تعد مصدرا من مصادر التشريع ،شعرا، تمثل تحدياً حقيقاً لمن يقرر الخوض في هذا النوع من الكتابة .

استطاع الشاعر وليد العليمي هنا أن يقف عند المحطات البارزة في سيرة رسولنا الكريم، وخصوصا تلك التي شكلت نقطة تحول في مسيرة الدعوة الإسلامية في مدة ربع قرن مثل نزول الوحي والهجرة النبوية وغيرها من الأحداث المهمة التي تشكل محطات مضيئة في التاريخ الإسلامي.

 

ويتضح بعد قراءة" ديوان السراج المنير"أنه يستوحي مادته الإبداعية ورؤيته الإسلامية من القرآن الكريم أولاً، فالسنة النبوية الشريفة ثانياً،كما أن هناك مصدراً مهما في نسج قصائد الديوان ،يتمثل في كتب التفسير التي فصلت حياة الرسول تفصيلا كبيرا كما يظهر ذلك جليا في تفسير ابن كثير على سبيل التمثيل، إضافة إلى كتب السيرة التي تتمثل في مجموعة من الوثائق والمصنفات التي كتبت حول سيرة الرسول سواء أكانت قديمة أم حديثة وأذكر على سبيل المثال: "السيرة النبوية" لابن هشام، وسيرة ابن اسحق و"الرحيق المختوم" لصفي الرحمن، و"السيرة النبوية"لأبي الحسن الندوي و"فقه السيرة" لسعيد البوطي، و"فقه السيرة" لمحمد الغزالي، و"السيرة النبوية" لمحمد متولي الشعراوي، للسيرة النبوية" " للدكتور مصطفى السباعي، و"نور اليقين" للخضري بك، و"في السيرة النبوية: قراءة لجوانب الحذر والحماية" للدكتور إبراهيم علي محمد أحمد، و"ملخص السيرة النبوية" لمحمد هارون .

ديوان "السراج المنير" يد خل في تناص مباشر مع تراث أدبي زاخر عرف في تراثنا العربي بفن المدائح النبوية،أول ما ظهر من شعر المديح النبوي ما قاله عبد المطلب إبان ولادة محمد صلى الله عليه وسلم، إذ شبه ولادته بالنور والإشراق الوهاج الذي أنار الكون سعادة وحبوراً، يقول عبد المطلب:

وأنت لما ولدت أشرقت 
الأرض وضاءت بنورك الأفق

فنحن في ذلك الضياء وفـــي 
النور وسبل الرشاد نختــرق

وتعود أشعار المديح النبوي إلى بداية الدعوة الإسلامية مع قصيدة "طلع البدر علينا"، وقصائد شعراء الرسول (صلعم) كحسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وكعب بن زهير صاحب اللامية المشهورة:-

بانت سعاد فقلبي اليوم متبـــول 
متيم إثرها لم يفـــد مكبـــول


وقد استحقت هذه القصيدة المدحية المباركة أن تسمى بالبردة النبوية؛ لأن الرسول (صلعم) كسا صاحبها ببردة مطهرة تكريما لكعب بن زهير وتشجيعا للشعر الإسلامي الملتزم الذي ينافح عن الحق وينصر الإسلام وينشر الدين الرباني. 
ونستحضر قصائد شعرية أخرى في هذا الباب كقصيدة الدالية للأعشى التي مطلعها: 
ألم تغتمض عيناك ليلـــة أرمدا 
وعاداك ماعاد السليم المسهدا 
ومن أهم قصائد حسان بن ثابت في مدح النبي الكريم (صلعم) عينيته المشهورة في الرد على خطيب قريش عطارد بن حاجب: 
إن الذوائب من فهر وإخوتهم 
قد بينوا سنة للنـــاس تـــــتبع 
ومن أهم شعراء المديح النبوي في العصر الأموي الفرزدق ولاسيما في قصيدته الرائعة الميمية التي نوه فيها بآل البيت واستعرض سمو أخلاق النبي الكريم وفضائله الرائعة، ويقول في مطلع القصيدة: 
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته 
والبيـت يعرفه والحل والحـرم 
وقد ارتبط مدح النبي (صلعم) بمدح أهل البيت وتعداد مناقب بني هاشم وأبناء فاطمة كما وجدنا ذلك عند الفرزدق والشاعر الشيعي الكميت الذي قال في بائيته: 
طربت وما شوقا إلى البيض أطرب 
ولا لعبا مني وذو الشوق يلعب 
ويندرج ضمن هذا النوع من المدح تائية الشاعر الشيعي دعبل الخزاعي التي مدح فيها أهل البيت قائلا في مطلعها: 
مدارس آيات خلـــت من تلاوة 
ومنزل حي مقفـــــــر العرصات 
ويذهب الشريف الرضي مذهب التصوف في مدح الرسول (صلعم) وذكر مناقب أهل البيت وخاصة أبناء فاطمة الذين رفعهم الشاعر إلى مرتبة كبيرة من التقوى والمجد والسؤدد كما في داليته: 
شغل الدموع عن الديار بكاؤنا 
لبكاء فاطمــة على أولادها

وللشاعر العباسي مهيار الديلمي عشرات من القصائد الشعرية في مدح أهل البيت والإشادة بخلال الرسول (صلعم) وصفاته الحميدة التي لاتضاهى ولا تحاكى.. 
ولكن يبقى البوصيري الذي عاش في القرن السابع الهجري من أهم شعراء المديح النبوي ومن المؤسسين الفعليين للقصيدة المدحية النبوية والقصيدة المولدية كما في قصيدته الميمية الرائعة التي مطلعها:

أمن تذكر جيــــــران بذي سلم 
مزجت دمعا جرى من مقلــــة بـــدم

أم هبت الريح من تلقاء كاظمة 
وأومض البرق في الظلماء من إضم 
وقد عورضت هذه القصيدة من قبل الكثير من الشعراء القدامى والمحدثين والمعاصرين، ومن أهم هؤلاء الشعراء ابن جابر الأندلس في ميميته البديعية الت التي مطلعها: 
بطيبة انزل ويمم سيـــد الأمم 
وانشر له المدح وانثر أطيب الكلــــم

ويتجلي هذا الفن في العصر الحديث علي يد العديد من الشعراء الكبار أمثال أحمد شوقي في إسلامياته الشهيرة وعلي رأسها همزيته النبوية، والتي قال في مدخلها:

ولد الهدي فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناء 
الروح والملك الملائكة حوله للدين والدنيا به بشراء

هذا إلي جانب قصيدته الشامخة نهج البردة والتي يتحدث فيها عن نهج رسول الله في حياته, وفي دعوته, وكذلك قصيدته التي تعد من أروع قصائد السيرة النبوية, وهي قصيدته سلوا قلبي التي تعد نموذجا كاملا لكل من يريد أن يسجل السيرة النبوية شعرا. 
ويأتي بعد أحمد شوقي صاحب الإلياذة الإسلامية الشهيرة أحمد محرم، والذي سجل سيرة الرسول فيها بشكل ضمني رائع في إلياذته المعروفة، ويأتي من بعدهما حافظ إبراهيم ومحمود حسن إسماعيل, وفي الوقت الراهن الشاعر الكبير محمد التهامي الذي كتب قصيدة في مدح الرسول, وفي تفاصيل دعوته وحياته.

* بعض الخصائص الأسلوبية للديوان 

لاشك أن موضوع السيرة النبوية ،وهو موضوع له ثقله التاريخي،وبعده التوثيقي ،وبما يحيطه من هالة قدسية روحية مستمدة من مكانة الرسول الأكرم وسيرته العطرة،يفرض بعض القيود الفنية على الشاعر المبدع ،ٍمثل الالتزام بالبعد الواقعي لسيروة السيرة النبوية الشريفة ،ومجانبة الإيغال في التخييل ،والحرص على بساطة اللغة وبعدها عن الإغراب والتعقيد. 
ولعل الاهتمام بهوامش الديوان حتى كادت أن تكون نصاً موازياً للنص الشعري،يعكس هذا الحرص على التوثيق ،والتأكيد على المرجعية التاريخية للموضوع ،وإبعاد شبهة التغيير أو التحريف في سيرة النبي الكريم. 
،وقد استطاع الشاعرمن خلال عدد من السمات الأسلوبية البلاغية ،أن يحقق لهذا العمل القدر الملائم من الجمال الفني وذلك من خلال: 
* استخدام صيغ المبالغة :- 
حرص الشاعر على استخدام صيغ المبالغة كسمة أسلوبية مهمة عملت على إنتاج شاعرية الديوان،وهي التقنية التي اتسقت مع الحالة الإستثنائية لسيرة الرسول الأعظم يقول:

- واعتنى به شيبةُ الحمد 
مُفزع قريش عال القدرِ

- فياض العرب وسيدهم 
مُطعم الوحش والطيرِ

- تارك الظلم و الأصنام 
و الوأد و الموفي بالنذرِ

- الداعي إلي التوحيدِ و الأخلاق 
والصدق و إعمال الفكرِ

التشبهات البلاغية :-

يعتمد الشاعر في الديوان على سلسلة من التشبيهات البلاغية ،مع قرب في تناول الصورة يقول في وصف الرسول الكريم: -

- طيّب رائحتهُ مسكاً 
البارئ المصور المقتدرِ

- أزهر اللون أبيض 
عَرقه كاللؤلؤ المصفرِّ

- استدار وجهه شمساً 
ويبرق سروراً بلا هجرِ

- ضليع أشكل العين 
- وبياض عينهُ محمرِ

- رِبعة من القوم ِ 
منيراً أهدب الشفرِ

* التصوير الاستعاري :- 
يعتمد الشاعر على التصوير الاستعاري كأداة أساسية في إنتاج شاعرية الديوان يقول :-

- وُلد النورُ طودا 
فأرتجف إيوان الكُفرِ

- وتساقطت في الكعبةِ الأصنام 
وسبقتها نجوم الشرِ

* الإعتماد على الجمل الفعلية :-

جاء البناء الفعلي في صيغة الماضي في مقدمة الأساليب التي اعتمد عليها الشاعر في بناء جمله الشعرية، جاء هذا البناء الفعلي ملائماً من الناحية الفنية لطبيعة السرد القصصي للسيرة النبوية،ومعززا ً لجانب التشويق الحكائي للسيرة العطرة،يقول:

وفي قباء أسس مسجداً 
فمحي الشر و الإقتار

- و وصل المدينة بشيرا 
فتلألأت بزخرف الأنوارِ

- وشيد مسجده فتوهج 
الكون وسائر الأقطارِ

- ونزل بدار أبو أيوب 
فتعطرت بالأوراد والأذكارِ

- ووادع أهل الكتاب 
رحمة من الرحيم الباري 

- وآخى بين المهاجرين 
وأهل البيعة الأنصارِ 

- وصدح الأذان ترنيمة ً 
فسبحت الطيور والأشجارِ

- وأسلم "بن سلام" فهما ً 
وعلماً ونجاةً من النارِ

- ورُفع الوباء بدعاء 
النبي لأهل الدارِ

أخيرا ً فإن هذا الديوان يعد إضافة نوعية للكتابة الإبداعية في اليمن،وأهم مايميزها هو تجربة استلهام التراث العربي والتاريخ الإسلامي بشكل مميز ،وتقديمه في قالب شعري فني محبب. ويمكن ان يكون مرجعا ً في السيرة النبوية وأرى أن يدرّس في المرحلة المتوسطة من التعليم العام .


*استاذ كلية التربية -جامعة صنعاء 
عضو المجمع العلمي اللغوي اليمني




تعليقات:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع المركز اليمني للإعلام نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
مواضيع مرتبطة
الروائي بهاء طاهر ينال جائزة "ملتقى القاهرة الدولي السادس للرواية العربية"
اكتشاف معالم أثرية جديدة داخل أول مسجد بني في اليمن