صعود محدود:
التأثيرات المحتملة للعمليات العسكرية في اليمن على أسعار النفط
الإثنين 30 مارس - آذار 2015 الساعة 10 مساءً / يمن ميديا-إبراهيم إبراهيم الغيطانى
عدد القراءات (1185)
بالرغم من أن التداعيات الاقتصادية للحرب التي تشنها دول الخليج والسعودية، مع دول عربية وإسلامية، ضد جماعة أنصار الله الحوثيين باليمن لم تتضح صورتها بعد، إلا أن أسواق النفط العالمية كانت سريعة الاستجابة للحرب التي بدأها هذا التحالف. وقد ارتفعت أسعار خام برنت في الأسواق العالمية بنحو 6% خلال اليوم الأول للحرب، تأثراً بالمخاوف العالمية من انقطاع إمدادات النفطية من منطقة الشرق الأوسط، بما يجعلنا ننظر بترقب وحذر أكبر لاتجاه سلوك أسعار النفط خلال الأيام المقبلة، حيث تنشأ المخاوف العالمية من احتمالية تأثير الحرب الدائرة حتى الآن على تعطيل الملاحة البحرية بمضيق باب المندب، الذي يمر به قرابة 4 مليون برميل نفط يومياً.


وإذا تحقق ذلك، فإن الأسعار فسترتفع حتماً بشكل جنوني، ولكن لا يتصور حدوث ذلك مع النظر إلى التأمين الدولي القوي للممر من قبل قوات بحرية ذات جنسيات مختلفة، وهو ما يرجح أكثر بأن الأسعار العالمية للنفط ستشهد فقط صعوداً محدوداً مدعومة بمخاوف التوترات الجيوسياسية بالمنطقة، وهو ما سيقلل خسائر دول مجلس التعاون الخليجي من تراجع الأسعار العالمية بنحو النصف منذ يونيو 2014، وربما يؤدي إلى إلحاق خسائر لدول أخرى مناوئة في توجهاتها للمصالح النفطية الخليجية، فيما يمكن تسميته بالمكاسب المزدوجة لدول الخليج.

أسعار ما قبل الحرب:

ساهمت بعض الأخبار الإيجابية التي تواردت منذ بداية 2015 في دعم أسواق النفط، وشهدت أسعار خام برنت صعوداً محدوداً، ولكن دون العودة إلى مستويات ما قبل يونيو 2014. وعلى مدار الثلاثة أشهر الماضية، أظهرت بعض البيانات الأمريكية تقلص أنشطة إنتاج شركات النفط الصخري الأمريكية، بجانب اتجاه عدد من الشركات المنتجة للنفط التقليدي بخفض النفقات الرأسمالية، وإيقاف عدد من المشروعات النفطية المستقبلية، بما دفع أسعار النفط إلى أن تصل إلى أعلى نقطة لها منذ بداية العام خلال جلسة 17 فبراير الماضي عندما سجل خام برنت 62.53 دولار للبرميل. ورغم ذلك لا تزال الأسعار العالمية للنفط منخفضة بنحو 48% عن مستويات شهر مارس 2014.

شكل (1): أسعار خام برنت (دولار/ البرميل)

 

Source: ICE Brent Crude Oil Front Month price information, Financial Times

كيف يتغير الموقف؟

خلال اليوم الأول للحرب ضد جماعة أنصار الله الحوثيين باليمن، ارتفعت الأسعار العالمية لخام برنت بنحو 6% لتصل إلى قرابة 59.5 دولار للبرميل، مدعومة بمخاوف عالمية من انقطاع إمدادت النفط من منطقة الشرق الأوسط. وذلك على إثر احتمالية أن يمتد نطاق الحرب لتشمل المناطق الجنوبية باليمن، ومن ثم تهديد حركة الملاحة بمضيق باب المندب، بما سينعكس على حركة تجارة النفط العالمية. وجدير بالإشارة أن الإحصاءات الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تظهر أن نحو 3.8 مليون برميل من النفط تعبر يومياً من خلال المضيق متجهة إلى قناة السويس.

وبذلك، تضعنا الحرب التي تقودها قوات التحالف بقيادة السعودية ضد أنصار الله الحوثيين أمام عدة سيناريوهات متوقعة لأسعار النفط خلال الأمد القصير، وترتبط كلية بمدى سير الحرب وتطوراتها، وهي على النحو التالي:

1- صعود محدود: ويرتبط هذا السيناريو بأن يشهد أسواق النفط مزيد من دعم أسعار النفط نحو الارتفاع (مؤقت ومرحلي)، ولكن بنسبة محدودة، مدعومة بمخاوف تأثير التوترات الجيوسياسية بالمنطقة على إمدادات النفط من المنطقة، حيث تنشأ مخاوف من طول فترة الحرب أو امتداد نطاقها إلى المناطق الجنوبية، لتقترب أكثر من مضيق باب المندب (وعادة خلال هذه المرحلة من الحروب تشيع حالة من القلق والخوف لدى المستثمرين بدعم من العوامل النفسية أكثر منها عوامل حقيقية).

2- استقرار الأسعار: في حال نجاح الضربات الجوية المتتالية في تحجيم ودحر القوة العسكرية لقوات جماعة أنصار الله الحوثيين، ونجاح السلطة الشرعية للبلاد في اليمن بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي في استعادة السلطة على العاصمة صنعاء، ومن ثم اختفاء أي تهديد على حركة الملاحة بمضيق باب المندب، لذا يتوقع أن ترتد أسعار خام برنت عند مستوياتها التي بدأتها منذ بداية العام.

3- صعود جنوني: ويرتبط بتحقق عامل رئيسي، وهو تمكن جماعة أنصار الله الحوثيين بمساعدة من إيران في امتداد نطاق المعارك إلى الجنوب، بما يجعل تهديد الحركة في المضيق أكثر، وهو ما سيسفر عن ارتفاعات جنونية في الأسعار العالمية للنفط، وذلك بناء على حقيقة هامة أشارت إليها عدد من التقديرات العالمية، حيث أن كل انقطاع للإمدادات العالمية من النفط بنحو مليون برميل يوميًا، يزيد أسعار النفط بنحو 5.2 دولار للبرميل.

إن التقييم العام من بين السيناريوهات الثلاثة السابقة، يشير إلى أن السيناريو الثاني الأكثر تحققاً، وذلك دعماً من تأمين الممر من قوات بحرية عالمية من جنسيات مختلفة، وقد وجهت مصر مؤخراً نحو 4 بارجات بحرية تجاه المضيق لحمايته من أي تهديد، وفي ظل هذا الحماية الدولية القوية، يمكن ضمان وصول الإمدادات العالمية للنفط إلى الأسواق الدولية دون أي تأثير يذكر.

لذا، يتوقع أن تشهد الأسعار العالمية للنفط صعوداً محدوداً، ثم ترتد ثانية إلى مستوياتها الطبيعية بعد أن تضع الحرب أوزارها، وجدير بالإشارة أن اليمن تعد من صغار المنتجين للنفط بقرابة 130 ألف برميل يومياً، بشكل لا يتوقع معه انقطاع إمدادتها أي تأثير يذكر على الإمدادات العالمية للنفط.

مكاسب مزدوجة

مع توقع تحقق السيناريو الثاني (الذي يفترض صعود محدود للأسعار)، سيحقق مكاسب مزدوجة لدول مجلس التعاون الخليجي، فمن ناحية يقلل خسائر صادرتها النفطية، والتي قدرها صندوق النقد الدولي إجمالاً بنحو 300 مليار دولار خلال 2015، وإذا كان من جهة أخرى، سيخفف حدة خسائر الاقتصاد الإيراني والروسي، التي تكبدتها بسبب التراجع العالمي لأسعار النفط منذ منتصف 2014، ولكن دون السماح بصعوده بشكل مرتفع للغاية في ظل التهديدات الحوثية وبمساندة إيرانية، والتي قد تعاظمت خلال الفترة الأخيرة، وهو ما سيمنح القوى الدولية الإبقاء على أسعار النفط كأداة اقتصادية وسياسية فعالة في الضغط على إيران في تعديل مسار برتامجها النووي، والذي يؤثر بطبيعة الحال على الأمن القومي الخليجي.

وخلاصة القول، بأن التحرك الخليجي نحو مساندة اليمن لاستعادة رئيس البلاد سلطته الشرعية كان ضرورياً لضمان استقرار الأسعار العالمية للنفط عند مستويات مقبولة، وبما يضمن فعالية النفط كأداة هامة في التأثير على مسار البرنامج النووي الإيراني.

.المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية 


تعليقات:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع المركز اليمني للإعلام نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
مواضيع مرتبطة
حدود المشاركة الباكستانية في عملية "عاصفة الحزم"
يديعوت: السعودية تحركت بقوة وحسم في حين أمريكا تلهث وراء إيران
فايننشال تايمز: تدخل السعودية باليمن يسخّن حربا باردة مع إيران