ما لا يدركه المتصارعون
عبدالرحمن بجاش
عبدالرحمن بجاش

كلما مر يوم، وكلما أوغلوا في الدم، ابتعدنا سنة عن أقرب فرصة لالتقاط الأنفاس!

كلما كثرت الملفات في أيدي الإقليم وكبار العالم، صغرنا، وصغر الاهتمام بما يدور في هذه البلاد، وكلما فقدنا شابًّا من اليمن، فقدنا جيلًا بأكمله.

كلما تيتمت النساء كبر الوجع الاجتماعي، ليشمل الكبار والصغار، وكلما عاندنا وتخيلنا أن الكون ملكنا وحدنا وأن عليه -الكون- أن يقبل شروطنا، ازدادت الشمس بعدًا عن أرضنا وحل الجليد في النفوس، وكلما رفع السلاح في وجوهنا، هرب الأمن والأمان إلى خارج الحدود.

اقرؤوا ماذا يقول الأمين العام للأمم المتحدة في مؤتمر "الشحت العالمي لليمن": "إن المجاعة تلقي بثقلها على اليمن، وأن السباق جارٍ لإنقاذ ملايين الأشخاص الذين قد يلقون حتفهم بسبب الجوع والتجويع"، ورأى غوتيريش أنه لا يمكن المبالغة في وصف شدة معاناة اليمنيين، إذ يحتاج أكثر من 20 مليون يمني، مساعدة إنسانية وحماية، ويعد الأطفال والنساء الأكثر تضررًا.

وقال: "ومن المتوقع أن يعاني أكثر من 16 مليون يمني هذا العام من الجوع، 4 ملايين شخص بأنحاء اليمن أجبروا على الفرار من ديارهم، طفل يموت كل عشر دقائق، وقد يموت 400 ألف طفل هذا العام من سوء التغذية، كل 10 دقائق يموت طفل بلا داع".

خلاصة الأمر أن الحرب تبتلع جيلًا كاملًا من اليمنيين، يجب أن تتوقف الحرب.

لن أنسى صوت صاحب عتمة يئن من الوجع على نجله الشاب الذي ذهب ولم يعد، لم يستطع هو سماع صوت أمه المجنون عليه، "هربت من البلاد"، قال هكذا، "لم أستطع النظر في وجه أمه وأمهات من حولي ممن فقدن أبناءهن، وهناك في الجانب الآخر، كلما سأل أب مكلوم عن ابنه، بدت له جنازة تحمل جثته

ألا يقولون: "شر البلية ما يضحك"، وحالنا هو المضحك المبكي، حيث إذا قتل جيل كامل من الحرب والجوع وخاصة من الأطفال، فلن نجد وقودًا لموجات الصراع القادمة، إذ يؤسس كل طرف من أطرافه دولة لذلك الصراع، إن لم تحسم صيغة الحكم، ويكون اليمنيون سواسية أمام القانون، يحكمهم دستور، وديموقراطية تنتظم بها قواعد اللعبة التي يتوافق الجميع حولها بلا كبير ولا صغير. 

خلال هذا الشهر، سنلِج بداية العام السابع للحرب، ولا يلوح في الأفق ثمة أمل بأن تضع أوزارها، وتتجه الأطراف إلى لملمة الجروح واستعادة الدولة والبلد. تبدأ السنة السابعة بكروش منتفخة، ومبانٍ تعانق السحب، وابتكارات جديدة في الوصول إلى جيوب الناس لنهب ما بقي فيها.

لا أخبار للصباح سوى أطفال يموتون في تعز جراء قذيفة، ولا يلفت الخبر اهتمام أحد، لتعودنا على أخبار الموت، إن لم نجدها، فنبحث عن منفذ آخر، الأخبار تملأ عيوننا الأشلاء والجثث!

ما ذنب إنسان هذه البلاد أن يفقد حياته كل لحظة، وعندما يسأل نفسه -هذا إذا وجد الوقت للسؤال: لماذا أحارب؟ ومن أحارب؟! آلاف من الشباب يذهبون ضحايا لأجندات إقليمية لا علاقة لها بمستقبل هذا البلد وحياة إنسانه. وما يوجع الروح أن الحرب ستضع أوزارها يومًا لنجد المقابر أكثر من عدد المدارس والمعامل والجامعات، وسنجد يومًا آخر وقد تحول ذوي من يُقتلون إلى شحاتين، والأيام بيننا، فقد تعودنا على أن نقاتل من أجل نخب تتصارع من أجل الثروة والسلطة، ويوم أن حاربنا من أجل الثورة والجمهورية، عملت النخب نفسها على إعدام كل من قاتل بشرف جسدًا ومعنى! وامتلأت السجون والمعتقلات بمن رفع على رأسه شعار "الجمهورية أو الموت".

يوجع القلب أن ترى هذا الموت المخيف وهذا النزف المستمر من دماء الشباب، في طول اليمن وعرضه، ولا أحد يقف وقفة عقل ويقول: يكفي. بل ترى الفاعلين يتوزعون بين أولياء النعم، الأولين والآخرين.

لن أنسى صوت صاحب عتمة، يئن من الوجع على نجله الشاب الذي ذهب ولم يعد، لم يستطع هو سماع صوت أمه المجنون عليه، "هربت من البلاد"، قال هكذا، "لم أستطع النظر في وجه أمه وأمهات من حولي ممن فقدن أبناءهن". وهناك في الجانب الآخر، كلما سأل أب مكلوم عن ابنه، بدت له جنازة تحمل جثته التي لم يعد عليها معالم تدل عليه، في سجل أمام اسمه: مجهول الهوية! كم سنكتشف مستقبلًا مجهولي هوية من اليمنيين؟!

هل يدرك المتصارعون أن اليوم والأمس والغد، كلها ترحل من عيون الناس وإدراكهم، وأن الناس، من هول الألم، لم تعد تدري ما هو الوجع!

كيف ستأتي المعجزة وتُوقِف آلة الموت عن دهس أرواحنا؟

هنا السؤال الذي لا يسأله أي طرف، ولا نجد له جوابًا! 

فقط يتصارعون بدمنا.


في الإثنين 08 مارس - آذار 2021 04:06:22 م

تجد هذا المقال في المركز اليمني للإعلام
http://yemen-media.info
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://yemen-media.info/articles.php?id=548