في انتظار المرأة الجديدة
حسين الوادعي
حسين الوادعي
 


عام 1899 ظهر كتاب تحرير المرأة لقاسم أمين ليدشن القول في قضية القضايا منذ ذلك الحين: المرأة وحقوقها ووضعها في المجتمع.

فالمطلوب تحرير المرأة من قيود المجتمع والعقل والعرف والفقه التي أنزلتها منزلة الرقيق، ومنذ ذلك الحين صارت عبارة تحرير المرأة مجالاً لمعارك وجهود وجدل وخصام لا يهدأ إلا ليحتدم.

ماذا قال قاسم أمين النسوي العربي الأول؟

قال إن حجب المرأة وحبسها عطل الملكات الذهنية والنفسية والجسدية لها، وأن أول الطريق لتطوير قدرات المرأة العربية هو التخلص من نظام الحجاب.

وكان يقصد بالحجاب شيئين: النقاب (غطاء الوجه)، وحبس المرأة (حجبها) في المنزل.

وقد توسع قاسم أمين في إيراد الأدلة الشرعية التي تؤكد أن النقاب بدعة لا علاقة للدين بها، وفي إيراد الأدلة الصحيحة التي تثبت أن الحجاب (النقاب) أورث المرأة مشاكل صحية كثيرة كفقر الدم وهشاشة العظام وشحوب الجلد.

أما حبس المرأة في البيت فقد عطل قدراتها العقلية وحولها إلى طفل كبير متقلب، نزق، ساذج لا يفهم شيئاً عن الحياة وقوانينها.

لهذا طالب بتعليم الفتاة (التعليم الابتدائي)، وإتاحة الفرصة لها للخروج للحياة العامة والاختلاط بالرجال (في ظل الضوابط الشرعية والاجتماعية) لتتطور قدراتها الذهنية والعقلية والنفسية والجسمية لتصير قادرة على مواجهة الحياة وصيانة العائلة.

ناقش قاسم أمين أيضاً قضية الزواج، وطالب بأن يكون الزواج اختيارياً، وأن تختار الفتاة زوجها وتراه وتتعرف على طباعه وعقليته، ورفض أن تظل الفتاة سلعة بيد الأب يزوجها لمن يشاء حتى دون أن تستشار.

وطالب بإيقاف العمل بمبدأ تعدد الزوجات، لأن فيه احتقاراً كبيراً للمرأة ومخالفة لفطرتها التي لا تتقبل شريكاً في زوجها، واشترط أن يكون الزواج الثاني أمام القاضي في حالة مرض الزوجة فقط أو عدم قدرتها على الإنجاب.

وهل يمكن إصلاح الزواج دون إصلاح الطلاق أيضاً؟

فليس مناسباً في رأي أمين أن يظل الطلاق حقاً مزاجياً وحصرياً للزوج فقط، وقدم مشروع قانون يجعل الطلاق صحيحاً فقط إذا تم أمام القاضي وبموافقته وبعد استنفاد جهود الإصلاح بين الزوجين، كما طالب بأن يكون للزوجة حق الطلاق أيضاً وأن ينص في عقد الزواج على حق المرأة في تطليق نفسها إذا أصبحت الحياة الزوجية مستحيلة.

أثار الكتاب ما أثاره من عواصف وأعاصير وبراكين وزلازل.

لكن قاسم أمين لم يتراجع ولم يخف كما خاف كثير من رواد النهضة وتراجعوا.

في السنة التالية 1900م، خرج بكتاب المرأة الجديدة، والمرأة الجديدة حسب تعبيره هي امرأة عصر التمدن والحرية والمساواة، وهي مختلفة عن المرأة القديمة التي لم تكن أكثر من رقيق بيد الأب أو الأخ أو الزوج.

حدد قاسم أمين بشكل أوضح الخطوات المطلوبة لظهور المرأة الجديدة.

في هذا الكتاب تجاوز ما كان متردداً فيه في كتابه الأول، فطالب بتعليم المرأة بلا حدود، وبخروجها للمجتمع دون خوف من الأخطاء، وبالتحاقها بالوظيفة العامة، وتنبأ بقرب حصول المرأة العربية على حقوقها السياسية، وقال بوضوح أن إصلاح المجتمعات لا يمكن أن يتم دون صلاح حال المرأة.

المرأة هي قضية القضايا، وحسم قضية المرأة مقدمة ضرورية لحسم القضايا الأخرى.

تحية للمرأة العربية الجديدة في يومها العالمي، فلا زال النضال مستمراً لتحريرها وتحررها، ولا زال قاسم أمين مفكراً راهناً ينتظر من يحول صرخته إلى حقيقة.


في الخميس 11 مارس - آذار 2021 04:46:36 م

تجد هذا المقال في المركز اليمني للإعلام
http://yemen-media.info
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://yemen-media.info/articles.php?id=551