|
من يقاتل في صف الشرعية باليمن ..؟
بقلم/ مروان الغفوري
نشر منذ: 8 سنوات و 10 أشهر و 13 يوماً السبت 09 يناير-كانون الثاني 2016 09:37 م
في البدء عمد الرئيس هادي إلى تسليم معسكرات كبيرة لجماعة الحوثي لأسباب كثيرة من السهل تخمينها لا فهمها. حدث ذلك مع اللواء ٣١٠ في عمران، أكبر التشكيلات العسكرية التابعة للمنطقة السادسة، ومقرها صنعاء. وقبلاً عندما عمد رجله القوي "اللواء لبوزة" إلى إدخال جماعة الحوثي مقر قيادة المنطقة الخامسة، في تهامة، آمراً الجنود والضباط أن يرددوا شعار الحوثيين في أول مشهد لانحناء القوات المسلحة اليمنية على ذلك النحو المذل. أما صالح، خصم هادي، فذهب بالموازاة يسلم الحوثيين قوات النخبة، الحرس الجمهوري، أو يضعها تحت تصرف الجماعة الإرهابية.
بينما كانت حشود الحوثيين تخترق صنعاء من كل الجهات كان الجيش يصدر بيانات تاريخية يعلن فيها حياده المنيع، ويطلب من الوحدات
العسكرية البقاء في الثكنات. وقف هادي، بقوته كلها، خلف تلك البيانات أما الحرس الجمهوري فكان قد تنكراً كلياً في زي المقاتلين الحوثيين.
الجيش الذي أعلن حياده آل إلى عصابه، والرئيس المحايد وضع تحت الإقامة الجبرية، وفر قادة الأحزاب إلى خارج اليمن، ورحل التجار والأغنياء وأبناء الطبقات الرفيعة. فر الجميع: الحكماء، القضاة، سائس خيل الأمير، المغنون، حامل السيف، راقصة المعبد، مستوردو شحنات السلاح، جباة الضرائب، وعشيق الأميرة. فروا جميعاً بالطريقة الدرامية التي تخيلها أمل دنقل في "مقابلة خاصة مع ابن نوح".
انطلق الحوثيون في الجهات كلها. ما إن يدخلوا مدينة حتى يفر منها رجال هادي أولاً، ثم رجال الأحزاب ثانياً، ثم الآخرون. كان رجال صالح، على الجانب الآخر، يلبسون الزي الحوثي وينضمون إلى العصابات. وعندما تدخلت المقاتلات العربية، في السادس والعشرين من مارس من العام الماضي، لم يكن قد بقي في الميدان سوى الفقراء والمهزومين الذين لم يمنحهم اليمن شرفاً ولا سعادة. من كل بيت هرب الموظفون البيروقراطيون والأغنياء وحملة الشهادات العُليا وبقي الأقل حظاً. الأقل حظاً، المهمشون، أولئك الذين ما استكملوا التعليم لظروف عصيبة، ولا دخلوا الجامعات لأسباب خارجة عنهم، ولا عثروا على وظائف، ولا أمنوا دخلهم. أولئك الذين عاشوا على سطح الوطن، لا دفنهم الوطن ولا ساعدهم على الصعود. تركهم لمصير بائس في زمن لم يجد بالكثير، وفي لحظة المكاشفة طلب منهم أن "يلجموا جواد المياه الجموح".
هرب الأغنياء وحملة الشهادات إلى الخارج وتركوا أقاربهم وجيرانهم من الجائعين وقليلي الحيلة. وأولئك تصدروا المشهد وخاضوا حرباً دفاعاً عن وطن لطالما انتهك حياتهم حتى الهزيع الأخير. من الخارج نشر الأغنياء صور أقاربهم الجرحى، وبكوا الشهداء، ونجوا بحياتهم وحظهم. ذهب المساكين الشجعان يستعيدون الأراضي، وراح الفارون الجبناء يبتهجون ويحدثون أنفسهم بمجد ما بعد الحرب. الذين لم يجد عليهم الوطن بشيء جادوا له بكل شيء، أما الذين "طعموا خبزه في الزمان الحسن" فقد أداروا له الظهر ساعة المحنة، كما تنبأ أمل دنقل.
أولئك المعذبون في الأرض، الشعث والجياع كما تجسدهم الصورة العبقرية التي التقطها مصور الجزيرة "محمد القاضي": مجموعة من المقاومين المظفرين وهم حفاة يعبرون صحراء الجوف سعياً لاسترداد محافظتهم، هم الذين حفظوا ما بقي لليمن من شرف. أنهم، بجوعهم العنيد وفقرهم، يعيدون ترتيب أسرة الأثرياء الهاربين، وحتى مخدع الرئيس. لقد حفظه أولئك الجنود الفقراء الذين كان رجاله يبتزونهم ويسرقون رواتبهم.
يسعى المعذبون في الأرض إلى استعادة وطن ربما لن يكون لهم مرة أخرى، ومن المحتمل أن يعود لانتهاك وجودهم كما فعل. لكنهم سيستعيدونه بتفانٍ نادر، ذلك التفان الذي لا يصنعه سوى الجندي المجهول. من سيعتذر لهم، وهم أولئك الملايين الذين لا يأبه لهم أحد؟ لقد أشرقت شمسهم في الجبال والوديان والمنحدرات بعد أن انطفأت شموس كل الطبقات وضربت الهزيمة عظام تاريخنا المعاصر. هم وحدهم، الآن وغداً وأمس، من حملوا رائحة الوطن وترابه ونقلوا مياه الطوفان على الأكتاف. هم الذين "قالوا لا للسفينة، وأحبوا الوطن". كل عام وهم بخير.
.عن صحيفة الوطن القطرية |
|
|