تائهون في الفجوة الهائلة ما بين العناوين الضخمة المبهرة، والمحتويات المتواضعة والهزيلة.
كم هي الأحلام التي ابتلعتها هذه الفجوة التي أخذت تتسع لتغدو بحجم الخيبة التي غلفت حياتنا وأضفت عليها لون المأساة.
لهذه لحالة الغرائبية التي ابتليت بها مجتمعات كثيرة مظاهر متعددة شملت الإنسان وكل ما ينسب إليه من قول وفعل، حتى إن التعبير عن الظاهرة غدا جزءاً من الموروث الثقافي الذي تتناقله الأجيال التي وقعت بلدانها ضحية العناوين الضخمة التي غطت وتغطي على تواضع وركاكة واقع الحال.
كثيرة هي العناوين التي تثير الإعجاب والدهشة.. ترى "العنوان" بأم عينيك فخماً يدير البصر.. تتوقف أمامه برهة من الزمن، تتطلع فيه وتتأوه إعجاباً، فتمضي بمشاعر فيها كثير من الفخر والإعجاب بما صنعته يد الإنسان من معجزة، ثم يرتد إليك بصرك حسرة بعد أن تطلع على "المحتوى"، تزول عنك الدهشة وتكتشف أنك أمام مجرد عنوان لا يجسد غير وهم التطلع إلى خلود غير متجذر في الواقع، ولا صلة له بالحقيقة.
"عناوين" تعود في الأساس إلى ما يصيب المجتمع من خديعة، مرده إلى حالة الارتكاس في براثن التخلف التي أصابتها، مما جعل الطموح حالة من توهم مجرد للنهوض، يتقلب في خيال مطلق، لا يستند على تصميم وإرادة ينقلانه إلى الواقع. لا وظيفة له غير تعمية وعي الناس بحاجتهم إلى تدارك ما يصيب حياتهم من تدهور، وتأهيلهم، من ثم، للتعاطي مع متطلبات حياتهم بواقعية، وإعادة بناء جسورها مع المستقبل خطوة خطوة.
يكمن تخلفنا في أننا أدمنا العناوين، تفاعلنا معها، وتوقفنا عندها مبهورين يوهجها، ولم نلتفت إلى المحتوى الركيك الذي صنع واقعنا المتخلف. والذين تفننوا في الخداع هم من حول الحياة إلى مجرد عناوين، وأرادوا تمرير مشاريعهم المرتجلة من خلالها.
لنلق نظرة إلى ما يحيط بنا من عناوين مبهرة ونتمعن في محتوياتها المتواضعة والركيكة لنكتشف حجم الهوة بين الخيال والواقع، وهي الهوة التي تفصلنا عن العالم.
كان 22 مايو عنواناً ضخماً ومبهراً، لكن هناك من أعادوا صياغة محتواه، وكانوا من الركاكة والخداع أن أفرغوه وفشلوا في الارتقاء به إلى مسوى العنوان، فبقي المحتوى تجسيداً لركاكة من صادر العنوان بقوة السلاح وأعاد صياغته على مقاسه. وقس على ذلك كثيراً مما أصاب اليمن من خذلان كان سببه هذه الفجوة بين العنوان والمحتوى في ظروف أخرى وتجارب مختلفة.
*من صفحة الكاتب على الفيس بوك