يبدأ الحلم بالدهشة، وتبدأ رحلة الحياة بالصرخة الأولى للطفل، معلنًا قدومه وانضمامه إلى المرتحلين باتجاه الأفق، الذي إما أن يؤدي بك إلى الحياة الأجمل أو إلى قاع الهاوية مستقرًّا!
عندما تلاحظ الطبيعة فتدهش لتنوع كل ما فيها، من الألوان، إلى الكائنات، إلى الماء العذب الذي يختلف طعمه عن الماء الذي تستقيه من أي بئر عميقة !
من يمتلك قدرة على الملاحظة والالتقاط، يمكنه أن يدهش لما يرى من تمازج فريد للألوان، يمكنك حسك من التقاطه إلى الورق، ثم إلى القماش، ثم ترى ما مزجت وصنعت عالمًا من الدهشة، تسمى موضة تسعى إليها النساء، وهن الأقدر على تمثل ما تعني، خاصة عندما تجد العطور تأتي من تمازج فريد لأنواع الورود. لذلك ترى امرأة تجيد اختيار عطرها، وأخرى لا يهمها أن تتعطر بأي مادة سائلة حتى، ولو هي جاز !!!
الدهشة فرح، والفرح يرتسم ضحكة على الوجه، والإنسان بلا فرح وقدرة على الضحك يصير مجرد آلة تظل تذهب وتجيء في إطار مساحة حددت أبعادها مقدمًا فلا تتجاوزها على الإطلاق، والإنسان غير القادر على الدهشة فالحلم فالفرح فالضحكة، دليل الوصول إلى خط النهاية يصير مع التكرار مجرد جدار!
وانظر، فالموسيقى جاءت من الطبيعة، فصوت خرير المياه، وصوت نطف المطر، والرعد والبرق، وثغاء الحيوانات، وزقزقة العصافير، يشكل في النهاية قطع موسيقى، كل قطعة بنوتة يبدع من يقدر على التذوق أن يتخيلها ويحولها إلى نغمة تهتزلها الأرواح.
الإنسان الذي لا يدهش لا يبدع، وكثير من خريجي الجامعات مجرد أرقام في كشوفات جامدة، يظلون أرقامًا طوال عمرهم، لا يتعدون حدود تلك الورق وتختفي أسماءهم رويدًا حتى تبهت ألوانهم، عكس المبدع الموهوب، فتراه يضيف كل يوم لونًا جديدًا إلى ألوان مجاله المهني الذي يتحول فيه إلى آية.
قالت آسيا علي الحاج: "كانت حياتنا في تعز مثل خلية النحل". كانت تحدثني عن الستينيات عندما درست وزميلاتها بنات المهمشين الذين ضاعوا في سنوات الضياع، ليظهروا أحفادًا لبلال! في تمييز للآخرين عنهم، وهم بشر ككل البشر
هل فقدنا الحلم؟ هل أصبحنا عاجزين عن أن نفرح؟ هل هي حالة عامة أننا لا نستطيع أن نضحك ونبدع؟
هل هي حالة طارئة، نتاج الوجع الذي أفقدنا القدرة على شحذ مخيلاتنا، ومن ثم مقدرتنا على الابتكار؟!
حتى أطفالنا لايضحكون، وإن ضحكوا فيكون ضحكهم حالة ملتبسة من الصراخ والأنين، وانظر إلى الوجوه ستجدها جافة.
ذات يوم قارن د. المقالح بيننا وبين المصريين، هم يستطيعون أن يضحكوا وفي أي ظروف، ونحن كما قال أصبنا بالجفاف!
هل السبب أننا فقدنا الحلم العظيم وتهنا، وصرنا ألعوبة في يد الحاكم أو في أقلها جزءًا، من قطيع يؤمر فيطيع؟ سؤال يبحث عن إجابة.
لو عدنا ونظرنا إلى ما تشكل في حياتنا من تراكم معرفي، فسنجد النتيجة كما قال أحد أفضل وزراء التربية والتعليم: العملية التعليمية "صفر". أما البعد التربوي، فقد ضاع من اللوحة كما هو شعار "الشرطة في خدمة الشعب" لاتدري أي شعب! شعارات في وادٍ وممارسة وسلوك في جهنم أخرى، فقد صار قسم الشرطة عنوانًا لكل شيء مهين إلا خدمة الإنسان، والحالات الفردية لشرطي هنا وهناك لا تكسر القاعدة بل ترسخها !
الدهشة تأتي بالحلم، والحلم يأتي بالفكرة، والفكرة تأتي بالرؤية، والرؤية تأتي بالمشروع، والمشروع يأتي بالخطة، والخطة تترجم إلى برنامج.
هل فقدناه لعجزنا عن تمثله؟ أو أن هناك ثورة مضادة أفقدتنا إياه.
قالت آسيا علي الحاج: "كانت حياتنا في تعز مثل خلية النحل". كانت تحدثني عن الستينيات عندما درست وزميلاتها بنات المهمشين الذين ضاعوا في سنوات الضياع، ليظهروا الآن أحفادًا لبلال! في تمييز للآخرين عنهم، وهم بشر ككل البشر!
الأمر ليس له علاقة بـ"تفاءلوا أو تشاءموا"؛ الأمر يتعلق بواحد زائد واحد يساوي كم؟ أحيانًا وعندما تفقد البصيرة العامة يكون الناتج عشرة.
هل فقدنا الحلم نتيجة لفقداننا الدهشة؟
أين يكمن سر الإخفاق؟