على النهرِ
تَجْلِسُ أمي
تَخِيْطُ حكاياتهِا للصغار
وتَحْلُمُ في كل عامٍ
بأن يأتيَّ الماءُ كي يملأَ النهرَ،
أسألها:
كيف تدعوه نهراً ولا ماءَ فيهِ؟
تجيب: لقد كان محتشداً بالمياه
تفيض على الضفتين.
ومن مائهٍ العذب تشرب قريتُنا
وقرىً حولنا
وقرىً قبلنا
وقرىً بعدنا
بيد أن القرى اختلفت
وتنازع أبناؤها حول من يملك النهر
سال دمٌ
وجرتْ في الضفاف دموعٌ،
بَكَى النهرُ
أحزنه ما جرى
فتوارى، ولكنه -قالتِ الأم-
سوف يعود.
* * *
على النهر
تَجْلِسُ أمي
تغنِّي لعشبٍ سينمو
لوردٍ تراه على الضفتين،
وأشجارٍ احتفظ الشِعرُ منذ سنين
بأسمائها
وعصافيرها
وظلالِ انحناءاتها
كانتِ الأم تأتي
محمَّلةً برصيدٍ من الذكريات
إلى حافة النهر
تنشر أحلامَها ومواجيدَها
فوق صمتِ الحصى
وذهول الصخور
وفي كَفِّهَا شجرٌ لا يجف
وفي وجهها خُضْرةٌ
لا تنامْ.
* * *
على النهرِ
تَجْلِسُ أمي تصلِّي
وتقرأ في وردةٍ لا تجيء
وفي شجرٍ يابسٍ
ليس يورق.
أطفالهُا يكبرون
يَشبُّون،
وهي تَخِيْطُ الحكايات
عن ذلك النهر
كيف استوى فوق صمت الحصى
والتراب
وكيف غدا.
كانت الطرق الجبلية
تأتي إليه بأرغفةٍ
وتعود محملةً بسلال من الخوخ
واللوز.
أين الطريق؟
أختفي!
والصبايا اللواتي نزلنَ به
وسبَحنَ على ضِفَّتَيِهِ
إذا ما مررنَ بهِ
في رعاية أحفادهن
تأوَّهن حُزْناً عليهِ
ورَدَّدَن: واحسرتاه!
*من ديوان "الشمس تتناول القهوة في صنعاء القديمة"
من صفحة الكاتب على القيسبوك*