أحمد، طفل يمني في الثالثة من العمر، يريد أن يسمي أخته التي ستولد: "قنبلة"، حتى يتمكّن من رميها لتموت. يضحك الحاضرون على "كوميدية" الطفل، دون أن يُراعوا كيف تبدأ رغباته بالتشكل تحت الظروف الإجتماعية المحيطة؛ فالنزاع الدائر في اليمن بيئة مناسبة لتشكيل سلوك إجرامي للأطفال.
أحمد ليس حالة شاذة في البلد الذي يشهد حرباً أهلية ويتعرض لضربات جوية، ثمة أطفال عديدون لهم ذات الميول العدوانية المُفرطة. أطفال ما قبل الحرب يختلفون عن أطفال ما بعد الحرب الذين تعوّدوا عليها وأصبحت جزءاً من حياتهم، حتى أنهم يتساءلون عنها عندما تهدأ.
في الشوارع، كان الأطفال يلعبون "حبس أمان" كتسلية، يقومون خلالها بالإقتسام إلى فريقين، يتم تحديد أماكن الأمان والحبس، ثم يقوم الفريق الأول بحبس أفراد الفريق الثاني إذا تخطّوا أماكن الأمان، ولا يجوز أخلاقيًا للفريق الثاني أن يقتحم أماكن الأمان؛ كانت اللعبة سلميّة ولا تملك أي مظهر من مظاهر العنف كما يحدث في ألعاب ما بعد الحرب.
الآن، يلعب الأطفال بعنف، يحملون "كلاشنكوف" منحوتاً من الخشب، ويتفرّقون في زوايا مداخل الحارة، يترقبون اقتحام منطقة الآخرين الذين يختبئون خلف متاريسهم وبجانبهم أسلحتهم الخشبية وأيضًا أحجار يستعملونها كالقنابل؛ يقومون بعمل حرب مصغرة بلا أخلاقيات وبلا أماكن للأمان على عكس الجيل السابق.
في ألعابهم لا يتقمّصُون شخصيات "هوليود"، يكفي أن يسقطوا واقعهم الذي يعيشونه وظروفهم المادية والإجتماعية التي دفعت البعض بألا يلعبوا هذه الألعاب الخطرة، وأجبرتهم أن يصبحوا فاعلين أساسيين في الحرب ذاتها على الرغم من أن بعضهم لا يزيد عمره عن ثمان سنوات.
أطفال حملوا أسلحة قاتلة وأصبحوا عرضة للموت، وقفوا في الطرقات كحرّاس لنقاط التفتيش، أصبح بعضهم مقاتلين في الجبهات. صور عديدة انتشرت في "بوسترات" خاصة بقتلى "الحوثيين" في معارك الجبهات الداخلية وجبهة الحدود والتفاخر بالأطفال المجنّدين.
الطرف الآخر في النزاع يقوم على وسائل التواصل الإجتماعي بمشاركة صور لأطفال مجنّدين في صفوف قوّات هادي، كان آخرها صور منشورة لاجتماع رسمي للمكتب التنفيذي في محافظة لحج وبرئاسة المحافظ نفسه، حوت على طفلين مجنّدين ومدججين بالسلاح يعملان كمرافقين، فيما تم نشر أسماء أطفال قتلى كانوا مجنّدين في جبهات القتال وتتراوح أعمارهم من 13 - 17 سنة.
في الشرق الجنوبي من العاصمة صنعاء، تحديدًا في رداع، نشأ طفلان في أجواء شبيهة بالحرب ومليئة بالإضطرابات المتعددة ومظاهر حمل السلاح، تركا المديرية واستقرا مع أسرتهما في صنعاء.
ذات يوم، وبعد أن غربت الشمس بساعات، جلست بجوارهما فتاة تسألهما عما إذا كانا يحبان رؤية النجوم وهي تلمع، أشارت بيدها نحو النجوم في السماء، سخر منها الطفل الأكبر الذي لا يزيد عمره عن عشر سنوات وقال: "هولا مُشّن نجوم، هولا رصاص".
لنضع هذه الحادثة بجانب قصة الطفل الذي يريد أن يسمي أخته "قنبلة"، والأطفال الذين يلعبون الحرب والمحاربين أيضًا، حينها سنكتشف أن اليمن تفقد مستقبلها الذي من المفترض أن يبنيه الأطفال بعد أن يُصبحوا رجالًا، سنكتشف أيضًا أنها توشك أن تخسر جيلًا كاملًا من الأطفال بسبب النزاع، جيل تأقلم مع السلوك الإجرامي واعتاد على رؤية الجريمة بل وتجريبها بالفعل.
عالم النفس التحليلي، سيجموند فرويد، رأى أن السلوك الإجرامي يُفسر على أساس الصراع القائم في النفس البشرية التي تُحرّكها دوافع الإنسان، قال إن الدوافع يتحكّم بها مبدأ اللذة في الطفولة المُبكرة، ومبدأ الواقع الذي يتشكّل مع تجارب الحياة في المجتمع.
يتحدث فرويد عن أن مبدأي الواقع واللذة يتصارعان، بيد أن الواقع يولّد دوافع وميولاً متعارضة لدى شخصية الرجل في المستقبل، ما ينتج انطلاق الدوافع والنزعات والميول الكامنة منذ الطفولة بغير قيود، ويحدث الإضطراب النفسي الذي قد يؤدي إلی سلوك إجرامي.
لا يهتم طرفا النزاع في اليمن بهذا المستقبل الكارثي، تتركز الإهتمامات على تحقيق مكاسب سياسية فقط مهما طالت مدة الحرب التي ستعصف بمستقبل البلاد. يقول الدكتور بيتر سلامة، المدير الإقليمي للـ"يونيسف" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إنه "إذا لم تتوقف الحرب، ستتعرض البلد لخطر تحوّلها إلى دولة فاشلة".